للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)} [الأعراف: ٢٠٤] قَالَ أحْمَد: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ.

وَقَد ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" مِن حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإذَا كبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا" (١).

فَقَد أَمَرَ اللهُ وَرَسُولُهُ بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ إذَا قَرَأَ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ذَلِكَ مِن جُمْلَةِ الِائْتِمَامِ بِهِ، فَمَن لَمْ يُنْصِتْ لَهُ لَمْ يَكُن قَد ائْتَمَّ بِهِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ لِأجْلِ الْمَأمُومِ، وَلهَذَا يُؤَمِّنُ الْمَأمُومُ عَلَى دُعَائِهِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَمِعْ لِقِرَاءَتِهِ ضَاعَ جَهْرُهُ، وَمَصْلَحَةُ مُتَابِعَةِ الْإِمَامِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْمُنْفَرِدُ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَو أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي وِتْرٍ مِن صَلَاتِهِ: فَعَلَ كَمَا يَفْعَلُ، فَيَتَشَهَّدُ عَقِيبَ الْوِتْرِ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ إذَا وَجَدَهُ سَاجِدًا، كُلُّ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ، فَكَيْفَ لَا يَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ مَعَ أَنَّهُ بِالِاسْتِمَاعِ يَحْصُلُ لَهُ مَصْلَحَةُ الْقِرَاءَةِ؟ فَإنَّ الْمُسْتَمِعَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْقَارِئِ.

وقد تَنَازَعُوا إذَا لَمْ يَسْمَعِ الْإِمَامَ لِكوْنِ الصَّلَاةِ صَلَاةَ مُخَافَتَةٍ، أَو لِبُعْدِ الْمَأمُومِ، أو طَرَشِهِ (٢) أَو نَحْوِ ذَلِكَ: هَل الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَقْرَأَ أَو يَسْكُتَ؟

وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَقْرا فِي هَذ الْمَوَاضِع؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَمِعُ قِرَاءَةً يَحْصُلُ لَهُ بِهَا مَقْصُودُ الْقِرَاءَةِ، فَإِذَا قَرَأَ لِنَفْسِهِ حَصَلَ لَهُ أَجْرُ الْقِرَاءَةِ، وَإِلَّا بَقِيَ


= وَلهَذَا كَانَ أَعْدَلُ الْأقْوَالِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَام: أَنَّ الْمَأمُومَ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْاِمَامِ يَسْتَمِعُ لَهَا ويُنْصِتُ، لَا يَقْرأُ بِالْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ بِهَا يَقْرا الْفَاتِحَةَ وَمَا زَادَ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكِ وَأصْحَابِهِ وَأَحْمَد بْنِ حَنبَلٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ ..
وَعَلَى هَذَا فَاسْتِمَاعُهُ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ بِالْفَاتِحَةِ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ مَقْصُودُ الْقِرَاءَةِ وَزِيادَةٌ تُغْني عَن الْقِرَاءَةِ مَعَهُ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا. اهـ. (١٨/ ٢١)
(١) رواه مسلم (٨٤٦).
(٢) الأطرش هو الأصم الذي لا يسمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>