للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وهكذا أوصى عثْمان بْن أَبي الْعاص -رضي الله عنه-، فقد ثبت فى صحيح مسلم (١٠٧٨)، عن عُثْمَان بْن أبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ -رضي الله عنه-، أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: "أُمَّ قَوْمَكَ، فَمَن أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكبِيرَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى أحَدُكُمْ وَحْلَهُ فَلْيُصَل كَيْفَ شَاءَ".
قال ابن عبد البر -رحمه الله-: في هذا الحديث أوضح الدلائل على أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف؛ لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياهم بذلك.
ولا يجوز لهم التطويل؛ لأن في الأمر لهم بالتخفيف نهيًا عن التطويل، وقد بأن في هذا الحديث العلة الموجبة للتخفيف، وهيم عندي غير مأمونة على أحد من أئمة الجماعة؛ لأنه وإن علم قوة من خلفه فإنه لا يدري ما يحدث لهم من آفات بني آدم.
ولذلك قال: "فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء"؛ لأنه يعلم من نفسه ما لا يعلم من غيره.
وقد يحدث للظاهر القوةِ ومن يُعرف منه الحرصُ على طول الصلاة حادثٌ من شغل، وعارضٌ من حاجة وآفةٌ من حدث بول أو غيره.
فينبغي لكل إمام أن يخفف جهده إذا أكمل الركوع والسجود. اهـ. الاستذكار (٢/ ١٦٦) وعَن جَابِر -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُم فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ، فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ وَلآتِيَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلأُخْبِرَنَّهُ. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا أصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ ثُمَّ أتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ اِذَا يَغْشَى، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى". رواه البخاري (٦١٠٦)، ومسلم (١٠٦٨).
وهذا الحديث صريحٌ وظاهرٌ في وجوب التخفيف، وعدم المشقة على المأمومين.
وأما حذ التخفيف وضابطُه: قد ثبت عند أبي داود (٥٣١)، عَن عُثْمَانَ بْنِ أبِي الْعَاصِ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي. فقَالَ: "أنتَ إِمَامُهُمْ، وَاقْتَدِ بِأَضعَفهمْ، وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أذَانِهِ أجْرًا".
أي: "اجعل أضعَفهم -بمرض، أو زمانَةٍ، أو نحوهما- قدوة لك، تصلي بصلاته تخفيفًا، وأنه يجب على إمام الصلاة أن يلاحظ حال المصلي خلفه، فيجعل أضعَفهم كأنه المقتدي به، فيخفف لأجله". سبل السلام، للصنعاني ٢/ ٦٦).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "وَأَوْلَى مَا أخِذَ حَدّ التَّخْفِيفِ مِن الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ عَن عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: أَنْتَ إِمَامُ قَوْمِك، وَاقْدِر الْقَوْمَ بِأَضْعَفهمْ". اهـ. فتح الباري (٢/ ٢٥) =

<<  <  ج: ص:  >  >>