للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمِن الْمَعْلُومِ أَنَّ مِقْدَارَ الصَّلَاةِ -وَاجِبِهَا وَمُسْتَحَبِّهَا- لَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى غَيْرِ السُّنَّةِ، فَإِنَّ هَذَا مِن الْعِلْمِ الَّذِي لَمْ يَكلْهُ اللهُ وَرَسُولُهُ إلَى آرَاءِ الْعِبَادِ؛ إذ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُصَلّي بِالْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ صَلَوَات، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشدُونَ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، فَيَجِبُ الْبَحْثُ عَمَّا سَنَّهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوضَعَ فِيهِ حُكْمٌ بِالرَّأيِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ اجْتِهَادُ الرَّأيِ فِيمَا لَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّة عَن رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-.

لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْمَدَ إلَى شَيْءٍ؛ مَضَتْ بِهِ سُنَّةٌ فَيُرَدّ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ.

وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا: أَنَّ التَّخْفِيفَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ إضَافِيٌّ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الْعُرْفِ؛ إذ قَد يَسْتَطِيلُ هَؤُلَاءِ مَا يَسْتَخِفُّهُ هَؤُلَاءِ وَيَسْتَخِفُّ هَؤُلَاءِ مَا يَسْتَطِيلُهُ هَؤلَاءِ فَهُوَ أَمْرٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ وَمَقَادِيرِ الْعِبَادَاتِ وَلَا فِي كُلٍّ مِن الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ شَرْعِيةً.

فَعُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْلِمِ: أَنْ يَرْجِعَ فِي مِقْدَارِ التَّخْفِيفِ وَالتَّطْوِيلِ إلَى السُّنَّةِ.

وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَمْرَهُ -صلى الله عليه وسلم- بِالتَّخْفِيفِ (١) لَا يُنَافِي أَمْرَهُ بِالتَّطْوِيلِ أَيْضًا فِي حَدِيثِ عَمَّارٍ الَّذِي فِي "الصَّحِيحِ " (٢) لَمَّا قَالَ:، إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقصر خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِن فِقْهِهِ، فَأَطيلُوا الصَّلَاةَ وَأقصِرُوا الْخُطْبَةَ".

فَإِنَّ الْإِطَالَةَ هُنَا بالنّسْبَةِ إلَى الْخُطْبَةِ، وَالتَّخْفِيفَ هُنَاكَ بِالنّسْبَةِ إلَى مَا فَعَلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فِي زَمَانِهِ (٣) مِن قِرَاءَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَلهَذَا قَالَ: "فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ".


= مع أن عثمان -رضي الله عنه- كان قدومه مع قومه في وفد ثقيف على النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان سنة تسع من الهجرة. يُنظر: البداية والنهاية (٥/ ٩٤).
أي: أن الأمر بالتخفيف كان متأخرًا لم ينسخه شيء.
يُنظر: إرْشادُ السَّاجدِ بأسْباب الخِلَافِ والتَّقاطُع في الْمَسَاجِدِ، للمؤلف (٧٠ - ٨٢).
(١) كقولِه: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ".
(٢) رواه مسلم (٨٦٩).
(٣) يقصد معاذًا -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>