وَفِي لَفْظٍ: "إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِن عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَد أفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِن فَسَدَتْ فَقَد خَابَ وَخَسِرَ، فَإِن انْتَقَصَ مِن فَرِيضَتِهِ شَيْئًا قَالَ الرَّبُّ: اُنْظُرُوا هَل لِعَبْدِي مَن تَطَوُّعٍ؟ فَكَمُلَ بِهِ مَا انْتَقَصَ مِن الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُون سَائِرُ أَعْمَالِهِ عَلَى هَذَا"، رَوَاة التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيث حَسَنٌ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللهَ -عز وجل- أَمَرَنَا بِإِقَامَتِهَا، وَالْإِقَامَةُ: أَنْ تُجْعَلَ قَائِمَةً، وَالشَّيْءُ الْقَائِمُ: هُوَ الْمُسْتَقِيمُ الْمُعْتَدِلُ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَكونَ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ مُسْتَقِرَّةً مُعْتَدِلَةً، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِثُبُوتِ أَبْعَاضِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ الطمَأْنِينَةَ، فَإِنَّ مَن نَقَرَ نَقْرَ الْغُرَابِ: لَمْ يُقِم السُّجُودَ وَلَا يُتِمُّ سُجُودَهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ، وَكَذَلِكَ الرَّاكِعُ.
يُبَيِّنُ ذَلِكَ: مَا جَاءَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنّ تَسْوَيةَ الصَّفِّ مِن تَمَامِ الصَّلَاةِ" (١). وَفِي لَفْظٍ: "أَقِيمُوا الصُّفُوفَ".
فَإِذَا كَانَ تَقْوِيمُ الصَّفِّ وَتَعْدِيلُهُ مِن تَمَامِهَا وَإِقَامَتِهَا بِحَيْثُ لَو خَرَجُوا عَن الِاسْتِوَاءِ وَالِاعْتِدَالِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى يَكُونَ رَأسُ هَذَا عِنْدَ النِّصْفِ الْأسْفَلِ مِن هَذَا: لَمْ يَكُونوا مُصْطَفِّينَ، وَلَكَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالْإِعَادَةِ.
فَكَيْفَ بِتَقْوِيمِ أَفْعَالِهَا وَتَعْدِيلِهَا؛ بِحَيْثُ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؟
وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللهَ -عز وجل- ذَمَّ عُمُومَ الْإِنْسَانِ، وَاسْتَثْنَى الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُم عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (٢٣)} [المعارج: ١٩ - ٢٣]، وَالسَّلَفُ مِن الصَّحَابَةِ وَمَن بَعْدَهُم قَد فَسَّرُوا الدَّائِمَ عَلَى الصَّلَاةِ بِالْمُحَافَظِ عَلَى أَوْقَاتِهَا وَبِالدَّائِمِ عَلَى أَفْعَالِهَا بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا، وَالْآيَةُ تَعُمُّ هَذَا وَهَذَا.
(١) رواه البخاري (٧٢٣)، ومسلم (٤٣٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute