للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَيْضًا: فَقَد قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (٤٥)} [البقرة: ٤٥]، وَهَذَا يَقْتَضِي ذَمَّ غَيْرِ الْخَاشِعِينَ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: ١٤٣].

فَقَد دَلَّ كِتَابُ اللهِ -عز وجل- عَلَى مَن كَبُرَ عَلَيْهِ مَا يُحِبُّهُ اللهُ: أنَّه (١) مَذْمُومٌ بِذَلِكَ فِي الدِّينِ، مَسْخُوطٌ مِنْهُ ذَلِكَ.

وَالذَّمُّ أَو السُّخْطُ لَا يَكُونُ إلَّا لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَو فِعْلِ مُحَرَّمٍ، وَإِذَا كَانَ غَيْرُ الْخَاشِعِينَ مَذْمُومِينَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الْخُشُوعِ.

فَمِن الْمَعْلُومِ أَنَّ الْخُشُوعَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (٤٥)}: لَا بُدَّ أَنْ يَتَضَمَّنَ الْخشُوعَ فِي الصَّلَاةِ.

ويُدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْخُشُوعِ فِيهَا أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)} [المؤمنون: ١، ٢] .. وَقَد دَلَّ هَذَا عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْخِصَالِ؛ إذ لَو كَانَ فِيهَا مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ لَكَانَت جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ تُورَثُ بِدُونِهَا؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ تُنَالُ بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ دُونَ الْمُسْتَحَبَّات.

وَلهَذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ إلَّا مَا هُوَ وَاجِبٌ.

وإِذَا كَانَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبًا فَالْخُشُوعُ يَتَضَمَّنُ السَّكِينَةَ وَالتَّوَاضُعَ جَمِيعًا، وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ -رضي الله عنه- حَيْثُ رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ فِي صَلَاتِهِ، فَقَالَ: "لَو خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ" (٢)؛ أَيْ: لَسَكَنَتْ وَخَضَعَتْ.

وَلهَذَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي حَالِ رُكُوعِهِ: "اللُّهُمَّ لَك رَكعْت وَبِك


(١) في الأصل وجميع النسخ التي وقفتُ عليها: "وَأنَّهُ" بالعطف، ولا يظهر صواب الجملة واستقامتها بالواو. والله أعلم.
(٢) قال الألبانيّ -رحمه الله-: لا يصح لا مرفوعًا ولا موقوفًا، والمرفوع أشد ضعفًا، بل هو موضوع. اهـ. إرواء الغليل (٢/ ٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>