للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت، خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَقْلِي وَعَصَبِي". رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ".

فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالْخشُوعِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ الرَّاكِعَ سَاكِنٌ مُتَوَاضِعٌ، وَبِذَلِكَ فُسِّرَت الْآيَةُ.

وإِذَا كَانَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبًا وَهُوَ مُتَضَمِّن لِلسُّكُونِ: فَمَن نَقَرَ نَقْرَ الْغُرَابِ لَمْ يَخْشَعْ فِي سُجُودِهِ، وَكَذَلِكَ مَن لَمْ يَرْفَعْ رَأسَهُ مِن الرُّكُوعِ وَيَسْتَقِرَّ قَبْلَ أَنْ يَنْخَفِضَ لَمْ يَسْكُنْ؛ لِأَنَّ السُّكُونَ هُوَ الطُّمَأْنينَةُ بِعَيْنِهَا.

فَمَن لَمْ يَطْمَئِنَّ لَمْ يَسْكُنْ، وَمَن لَمْ يَسْكُنْ لَمْ يَخْشَعْ فِي رُكُوعِهِ وَلَا فِي سُجُودِهِ، وَمَن لَمْ يَخْشَعْ: كَانَ آثِمًا عَاصِيًا، وَهُوَ الَّذِي بَيَّنَّاهُ (١).

فَإِنَّ السُّكُونَ فِيهَا يَكُونُ بِحَرَكَةٍ مُعْتَدِلَةٍ لَا سَرِيعَةٍ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَشْي إلَيْهَا وَهِيَ حَرَكَة إلَيْهَا، فَكيْفَ بِالْحَرَكَةِ فِيهَا؛ فَقَالَ: "إذَا أتيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتَوهَا تَسْعَوْنَ وائتوها وَعَلَيْكُم السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا".

فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَد أَمَرَ بِالسَّكِينَةِ حَالَ الذَّهَابِ إلَى الصَّلَاةِ، وَنَهَى عَن السَّعْيِ الَّذِي هُوَ إسرَاعٌ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلصَّلَاةِ: فَالصَّلَاةُ أُحَقُّ أنْ يُؤْمَرَ فِيهَا بِالسَّكِينَةِ وَيُنْهَى فِيهَا عَن الِاسْتِعْجَالِ.

فَإِنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ تَقْتَضِي السَّكّينَةَ فِي الِانْتِقَالِ؛ كَالرَّفْعِ وَالْخَفْضِ


(١) واضح من كلام الشيخ أنه يرى وجوب الخشوع في الصلاة.
وقد سبق كلام الشيخ عن الخشوع حيث قال: الْخُشُوعُ يَتَضَمَّنُ مَعْنيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: التَّوَاضُعُ وَالذُّلُّ.
وَالثَّانِي: السُّكُونُ وَالطُّمَأنِينَةُ، وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِلِينِ الْقَلْبِ الْمُنَافِي لِلْقَسْوَةِ، فَخُشُوعُ الْقَلْبِ يَتَضَمَّنُ عُبُودِيَّتَهُ لِلَّهِ وَطُمَأنِينتهُ أيْضًا.
وَلهَذَا كَانَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ يَتَضَمَّنُ هَذَا وَهَذَا: التَّواضُعَ وَالسُّكُونَ. (٧/ ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>