للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٧٣٧ - لَو كَانَ الْإِمَامُ يَرَى اسْتِحْبَابَ شَيْءٍ، وَالْمَأمُومُونَ لَا يَسْتَحِبُّونَهُ، فَتَرَكُهُ لِأجْلِ الِاتِّفَاقِ والائتلاف: كَانَ قَد أَحْسَنَ.

مِثَالُ ذَلِكَ: الْوِتْرُ، فَإِنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:

أحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلا بِثَلَاث مُتَّصِلَةٍ؛ كَالْمَغْرِبِ.

وَالثَّاني: أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلا رَكْعَةً مَفْصُولَةً عَمَّا قَبْلَهَا.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الأمْرَيْنِ جَائِزَانِ؛ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ -وَإِن كَانَ هَؤُلَاءِ يَخْتَارُونَ فَصْلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ-.

فَلَو كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْفَصْلَ، فَاخْتَارَ الْمَأْمُومُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ كَالْمَغْرِبِ، فَوَافَقَهُم عَلَى ذَلِكَ تَأْليفًا لِقُلُوبِهِمْ: كَانَ قَد أَحْسَنَ؛ كَمَا قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - لِعَائِشَةَ: "لَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لنَقَضْت الْكَعْبَةَ وَلَأَلْصَقْتهَا بِالْأَرْضِ وَلَجَعَلْت لَهَا بَابَيْنِ بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ" (١) فَتَرَكَ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُ؛ لِئَلَّا يَنْفِرَ النَّاسُ.

وَكَذَلِكَ لَو كَانَ رَجُل يَرَى الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ فَأَمَّ بقَوْم لَا يَسْتَحِبُّونَهُ أَو بِالْعَكْسِ وَوَافَقَهُمْ: كَانَ قَد أَحْسَنَ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْأفضَلِ، فَهُوَ بِحَسَبِ مَا اعْتَقَدُوهُ مِنَ السُّنَةِ (٢). [٢٢/ ٢٦٨ - ٢٦٩]

فَالصَّوَابُ أَنَّ مَا لَا يُجْهَرُ بِهِ قَد يُشْرَع الْجَهْرُ بِهِ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، فَيُشْرَعُ لِلْإِمَامِ أَحْيَانًا لِمِثْل تَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ وَيَسُوغُ لِلْمُصَلِّينَ أَنْ يَجْهَرُوا بِالْكَلِمَاتِ


= يسعى بعض الناس -هداهم الله- إلى تفريق الأمة بالقدح في بعض رؤوسها وكبارها من المشايخ والخطباء والمصلحين، وسبهم وتتبع عثراتهم!.
(١) رواه البخاري (١٢٦).
(٢) وقال - رَحِمَهُ اللهُ -: يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْصِدَ إلَى تَأْلِيفِ الْقُلُوبِ بِتَرْكِ هَذه الْمُسْتَحَبَّاتِ؛ لِأنَّ مَصْلَحَةَ التَّألِيفِ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ مِن مَصْلَحَةِ فِعْلِ مِثْل هَذَا؛ كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَغْيِيرَ بِنَاءِ الْبَيْتِ لِمَا فِي إبْقَائِهِ مِن تَأْلِيفِ الْقُلُوبِ، وَكَمَا أنْكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى عُثْمَانَ إتْمَامَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ صَلَّى خَلْفَهُ مُتِمًّا، وَقَالَ: الْخِلَافُ شَرٌّ. (٢٢/ ٤٠٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>