للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْيَسِيرَةِ أحْيَانًا، ويسُوغُ أَيْضًا أَنْ يَتْرُكَ الْإِنْسَانُ الْأَفْضَلَ لِتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ خَوْفًا مِنَ التَّنْفِيرِ عَمَّا يَصْلُحُ، كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَاءَ الْبَيْتِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ؛ لِكَوْنِ قُرَيْشٍ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ وَخَشِيَ تَنْفِيرَهُم بِذَلِكَ، وَرَأَى أَنَّ مَصْلَحَةَ الِاجْتِمَاعِ والائتلاف مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ الْبِنَاءِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ (١). [٢٢/ ٤٣٦ - ٤٣٧]

٢٧٣٨ - الْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَحَرَّى صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا بِأصْحَابِهِ؛ بَل هَذَا هُوَ الْمَشْرُوعُ الَّذِي يَأمُرُ بِهِ الْأَئِمَّةُ؛ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّهُ قَالَ لِمَالِكِ بْنِ الحويرث وَصَاحِبهِ: "إذَا حَضَرَت الصَّلَاةُ فَأذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَحَدُكمَا وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" (٢).


(١) النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ترك هدم الكعبة، وبناءَها على قواعد إبراهيم - عليه السلام -، وهذه مصلحةٌ شرعيةٌ عظيمة، ويستفيد منها الناسُ من وقته إلى وقتنا وبعد ذلك، ولكن ترك النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هذه المصلحة العامة، لأجل الخوف من مفسدةٍ أعظم منها، وهي تشكيك بعض الذين أسلموا حديثًا، واضطراب إيمانهم، مع أن ذلك لن يُؤثر على الدولة الإسلامية الكبيرة، ولكن القائد الأعظم كان يخاف ويُشفق على جميع أفراد الدولة، ويُقدم مصلحة صفاء عقيدتهم على المصلحةٍ العامةٍ، ولكنها دون هذا المصلحة؛ فإذا كان هدم الكعبة أهون عند الله من إراقة دم مُسلم، فتركُ ترميمها أهون عند الله من دخول الشك في قلوب بعض المسلمين، الذين أسَلموا حديثًا.
والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَكُفُّ عَن قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ مَعَ كَوْنِهِ مَصْلَحَةً عظيمة؛ لِئَلَّا يُؤدِّي ذلك إلى مفسدةٍ أكبر، وهي قَوْلُ النَّاسِ أنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - يَقْتُلُ أصْحَابَهُ؛ "لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُوجِبُ النُّفُورَ عَنِ الْإِسْلَامِ مِمَن دَخَلَ فِيهِ وَمِمَن لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَهَذَا النُّفُورُ حَرَامٌ". يُنظر: إقامة الدليل على إبطال التحليل، لشيخ الإسلام ابن تيمية (٣/ ٤٧١).
فأين مَن يسفك دماء المسلمين، لأجل أنهم خالفوهم في توجهاتهم وآرائهم، وأدَّتْ أفعالُهم النُّفُورَ عَنِ الْإِسْلَامِ مِمَن دَخَلَ فِيهِ وَمِمَن لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، وَهَذَا النُّفُورُ حَرَامٌ كما قاله شيخ الإسلام رحمه الله.
وأين من يتهجم على العلماء والمصلحين، ويُطلق السب والطعن عليهم لكونهم اختلفوا معه في آراءٍ رأوها، وأقوالٍ اجتهدوا فيها، أين هم من مراعاة مصلحة الاجتماع والائتلاف، والتي قدّمها نبيُّنا ولإمامنا وقدوتنا -صلى الله عليه وسلم - على أمور شرعية ودينية عظيمة؟ يُنظر: المَعيْنُ الْجَارِي فِيْ اسْتِنْبَاطِ الْفَوَائِدِ واللَّطَائِفِ مِن صَحِيْحِ الْبُخَارِي، للمؤلف (٦٦٥).
(٢) رواه البخاري (٦٥٨)، ومسلم (٦٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>