للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مِن صَرْفِهِ إلَّا بِشَرّ أَعْظَمَ ضَرَرًا مِن ضَرَرِ مَا أَظْهَرَهُ مِن الْمُنْكَرِ: فَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْفَسَادِ الْقَلِيلِ بِالْفَسَادِ الْكَثِيرِ، وَلَا دَفْعُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ بِتَحْصِيلِ أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَت بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.

وَمَطْلُوبُهَا تَرْجِيحُ خَيْرِ الْخَيْرَيْنِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْتَمِعَا جَمِيعًا، وَدَفْعُ شَرِّ الشَّرَّيْنِ إذَا لَمْ يَنْدَفِعَا جَمِيعًا.

فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ مَنْعُ الْمُظْهِرِ لِلْبِدْعَةِ وَالْفُجُورِ إلَّا بِضَرَر زَائِدٍ عَلَى ضَرَرِ إمَامَتِهِ: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ بَل يُصَلِّي خَلْفَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا إلَّا خَلْفَهُ؛ كَالْجُمَعِ، وَالْأَعْيَادِ، وَالْجَمَاعَةِ إذَا لَمْ يَكُن هُنَاكَ إمَامٌ غَيْرُهُ، وَلهَذَا كَانَ الصَّحَابَة يُصَلُّونَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَالْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَغَيْرِهِمَا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ؛ فَإِنَّ تَفْوِيتَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ فَسَادًا مِن الِاقْتِدَاءِ فِيهِمَا بِإِمَام فَاجِرٍ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ عَنْهُمَا لَا يَدْفَعُ فُجُورَهُ، فَيَبْقَى تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِدُونِ دَفْعِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ.

وَلهَذَا كَانَ التَّارِكُونَ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ مُطْلَقًا: مَعْدُودِينَ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأئِمَّةِ مِن أَهْلِ الْبِدَع.

وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْبَرِّ: فَهُوَ أَوْلَى مِن فِعْلِهَا خَلْفَ الْفَاجِرِ.

وَحِينَئِذٍ فَإِذَا صَلَّى خَلْفَ الْفَاجِرِ مِن غَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ لِلْعُلَمَاءِ:

مِنْهُم مَن قَالَ: أَنَّهُ يُعِيدُ.

وَمِنْهُم مَن قَالَ: لَا يُعِيدُ، قَالَ: لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَة.

وَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الصَّلَاةُ إلا خَلْفَهُ كَالْجُمُعَةِ فَهُنَا لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ، وَإِعَادَتُهَا مِن فِعْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ.

وَأَمَّا الصَّلَاةُ خَلْفَ مَن يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ مِن أَهْلِ الْأَهْوَاءِ: فَهُنَاكَ قَد تَنَازَعُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>