للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَد تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّرْبِيعِ .. وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَن يَقُولُ إنَّهُ سُنَّة وَأَنَّ الْإِتْمَامَ مَكْرُوهٌ؛ وَلهَذَا لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ فِي مَذْهَبِهِ. [٢٤/ ٨ - ٩]

٢٧٩٦ - تتازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُسَافِرِ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا، فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ.

وَلَكِنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ - لَيْسَ فِيهِ إلَّا خِلَافٌ شَاذٌّ، وَلَا يَفْتَقِرُ الْقَصْرُ إلَى نِيَّةٍ؛ بَل لَو دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يُصَلِّيَ أرْبَعًا (١) -اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَد كَانَ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا حَجَّ بِالْمُسْلِمِينَ حِجَّةَ الْوَدَاعِ يُصَلِّي بِهِم رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلَى أَنْ رَجَعَ، وَجَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَالْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ وَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ أهْلُ مَكَةَ وَغَيْرُهُم جَمْعًا وَقَصْرًا، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا أنْ يَنْوِيَ لَا جَمْعًا وَلَا قَصْرًا.

وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ أَهْلَ مَكةَ يَقْصُرُونَ وَيَجْمَعُونَ هُنَاكَ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ هُنَاكَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَخُلَفَائِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَن أَحَدٍ مِن الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ قَالَ لَهُم هُنَاكَ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، وَلَكِنْ نُقِلَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ لَمَّا صَلَّى بِهِم دَاخِلَ مَكَّةَ، وَكَذَلِكَ كَانَ عُمَرُ يَأَمُرُ أَهْلَ مَكَّةَ بِالْإِتْمَامِ إذَا صَلَّى بِهِم فِي الْبَلَدِ، وَأَمَّا بِمِنَى فَلَمْ يَكُن يَأْمُرُهُم بِذَلِكَ.

وَقَد تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي قَصْرِ أَهْلِ مَكَّةَ خَلْفَهُ: فَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ النُّسُكِ، فَلَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ سَفَرًا قَصِيرًا هُنَاكَ، وَقِيلَ: بَل كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ السَّفَرِ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَد.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ أَنَّهُم قَصَرُوا لِأَجْلِ سَفَرِهِمْ، وَلهَذَا لَمْ يَكُونُوا يَقْصُرُونَ بِمَكَّةَ وَكَانُوا مُحْرِمِينَ.


(١) أي: فيقصُر ولو نوى الإتمام.

<<  <  ج: ص:  >  >>