للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْقَصْرُ مُعَلَّق بِالسَّفَرِ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَلَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إلا مُسَافِرٌ.

وَقَد تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَل يَخْتَصُّ بِسَفَرٍ دُونَ سَفَرٍ، أَمْ يَجُوزُ فِي كُلِّ سَفَرٍ؟

وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي كُلِّ سَفَرٍ قَصِيرًا كَانَ أَو طَوِيلًا، كَمَا قَصَرَ أَهْلُ مَكَّةَ خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ وَمِنًى، وَبَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَةَ نَحْوُ بَرِيدٍ: أَرْبَعِ فَرَاسِخَ.

وَأَيْضًا: فَلَيْسَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَخُصَّانِ بِسَفَرٍ دُونَ سَفَرٍ: لَا بِقَصْرٍ وَلَا بِفِطْر، وَلَا تَيَمُّمٍ، وَلَمْ يَحُدَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَافَةَ الْقَصْرِ بِحَدّ لَا زَمَانِيِّ وَلَا مَكَانِيٍّ، وَالْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ فِي ذَلِكَ مُتَعَارِضَةٌ، لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ وَهِيَ مُتَنَاقِضَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَحُدَّ ذَلِكَ بِحَدٍّ صَحِيحٍ.

فَإِنَّ الْأَرْضَ لَا تُذْرَعُ بِذَرْع مَضْبُوطٍ فِي عَامَّةِ الْأَسْفَارِ، وَحَرَكَةُ الْمُسَافِرِ تَخْتَلِفُ.

وَالْوَاجِبُ أَنْ يُطْلَقَ مَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ - صلى الله عليه وسلم -، وَيُقَيَّدَ مَا قَيَّدَهُ، فَيَقْصُرُ الْمُسَافِرُ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ سَفَرٍ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الأحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسَّفَرِ مِن الْقَصْرِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.

وَمَن قَسَّمَ الْأَسْفَارَ إلَى قَصِيرٍ وَطَوِيلٍ وَخَصَّ بَعْضَ الْأحْكَامِ بِهَذَا وَبَعْضَهَا بِهَذَا وَجَعَلَهَا مُتَعَلِّقَة بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ: فَلَيْسَ مَعَهُ حُجَّةٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا. [٢٤/ ١٠ - ١٣]

٢٧٩٧ - سافَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرِيبًا مِن ثَلَاثِينَ سَفْرَة وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي أَسْفَارِهِ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَحَدٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ صَلَّى فِي السَّفَرِ الْفَرْضَ أَرْبَعًا قَطُّ (١).


(١) فهل يُعقل أنْ يُسافر كل هذه السفرات ولا يبين لأصحابه المسافة التي يجوز فيها القصر، ولا يحدد لهم الأيام التي لا يقصرون فيها إذا تجاوزوها؟ ولا ينقل أصحابه ذلك، ولا يسألون ولا يُسألون؟
كل هذا يبيِّن ويؤكد أن التحديد لا يقومُ عليه دليل صحيح صريح، والأصل في المسافر القصر حتى يرجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>