فَثَبَتَ بِهَذِهِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْحَضَرِ أَرْبَعٌ، فَإِنَّ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ إنَّمَا أُخِذَ مِن فِعْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي سَنَّهُ لِأُمَّتِهِ.
وَبَطَلَ قَوْلُ مَن يَقُولُ مِن أَصْحَاب أَحْمَد وَالشَّافِعِيَّ: إنَّ الْأَصْلَ أَرْبَعٌ وَإِنَّمَا الرَّكْعَتَانِ رُخْصَةٌ، وَبَنَوْا عَلَى هَذَا: أَنَّ الْقَاصِرَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْقَصْرِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الخرقي وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا.
بَل الصَّوَابُ مَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الْقَصْرَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ؛ بَل دُخُولُ الْمُسَافِرِ فِي صَلَاتِهِ كَدُخُولِ الْحَاضِرِ؛ بَل لَو نَوَى الْمُسافِرُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا لَكُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَت السُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَد إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
وَقَد تَنَازَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّرْبِيعِ فِي السَّفَرِ: هَل هُوَ مُحَرَّمٌ؟ أَو مَكرُوهٌ؟ أَو تَرْكُ الْأَفْضَلِ. أَو هُوَ أَفْضَلُ. عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ.
وإنما الْمُتَوَجِّهُ أَنْ يَكونَ التَّرْبِيعُ إمَّا مُحَرَّمٌ أَو مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ طَائِفَةً مِن الصَّحَابَةِ كَانُوا يُرَبِّعُونَ وَكَانَ الْآخَرُونَ لَا يُنْكِرُونَهُ عَلَيْهِم إنْكَارَ مَن فَعَلَ الْمُحَرَّمَ؛ بَل إنْكَارَ مَن فَعَلَ الْمَكْرُوهَ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] فَهُنَا عَلَّقَ الْقَصْرَ بِسَبَبَيْنِ:
أ- الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ.
ب- وَالْخَوْفِ مِن فِتْنَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا.
لِأَنَّ الْقَصْرَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ:
أ- قَصْرَ عَدَدِهَا.
ب- وَقَصْرَ عَمَلِهَا وَأَرْكَانِهَا؛ مِثْل الْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَهَذَا الْقَصْرُ إنَّمَا يَشْرَعُ بِالسَّبَبَيْنِ كِلَاهُمَا، كُلُّ سَبَبٍ لَة قَصْرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute