للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ السَّفَرِ مَعْلُومًا عِلْمًا عَامًّا، وَذَرْعُ الْأَرْضِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ؛ بَل هُوَ إمَّا مُتَعَذَّرٌ وَإِمَّا مُتَعَسِّرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْمُلُوكَ وَنَحْوَهُم مَسْحُ طَرِيقٍ فَإِنَّمَا يَمْسَحُونَهُ عَلَى خَطٍّ مُسْتَوٍ أَو خطُوطٍ مُنْحَنِيَةٍ انْحِنَاءً مَضْبُوظًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُسَافِرِينَ قَد يَعْرِفُونَ غَيْرَ تِلْكَ الطَّرِيقِ، وَقَد يَسْلُكُونَ غَيْرَهَا، وَقَد يَكُونُ فِي الْمَسَافَةِ صُعُودٌ، وَقَد يَطُولُ سَفَرُ بَعْضِهِمْ لِبُطْءِ حَرَكَتِهِ، وَيَقْصُرُ سَفَرُ بَعْضِهِمْ لِسُرْعَةِ حَرَكَتِهِ، وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ هُوَ نَفْسُ السَّفَرِ لَا نَفْسُ مِسَاحَةِ الْأرْضِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَنَقُولُ: كُلُّ اسْمٍ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ فَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، فَمَا كَانَ سَفَرًا فِي عُرْفِ النَّاسِ فَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الشَّارعُ الْحُكْمَ، وَذَلِكَ مِثْلُ سَفَرِ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسَافَةَ بَرِيدٌ، وَهَذَا سَفَرٌ ثَبَتَ فِيهِ جَوَازُ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ بِالسُّنَّةِ، وَالْبَرِيدُ هُوَ نِصْفُ يَوْمٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَالْأقْدَامِ وَهُوَ رُبُعُ مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي قَد يُسَمَّى مَسَافَةَ الْقَصْرِ، وَهُوَ الَّذِي يُمْكِنُ الذَّاهِبُ إلَيْهَا أَنْ يَرْجِعَ مِن يَوْمِهِ.

وَأَمَّا مَا دُونَ هَذِهِ الْمَسَافَةِ إنْ كَانَت مَسَافَةُ الْقَصْرِ مَحْدُودَةً بِالْمِسَاحَةِ: فَقَد قِيلَ: يَقْصُرُ فِي مِيل.

وَقَد يَرْكَبُ الرَّجُلُ فَرْسَخًا يَخْرُجُ بِهِ لِكَشْفِ أمْرٍ وَتَكونُ الْمَسَافَةُ أَمْيَالًا وَيرْجِعُ فِي سَاعَةٍ أَو سَاعَتَيْنِ وَلَا يُسَمَّى مُسَافِرًا، وَقَد يَكُونُ غَيْرُهُ فِي مِثْل تِلْكَ الْمَسَافَةِ مُسَافِرًا بِأَنْ يَسِيرَ عَلَى الْأِبِلِ وَالْأقْدَامِ سَيْرًا لَا يَرْجِعُ فِيهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَى مَكَانِهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (١): الْحُجَّةُ مَعَ مَن أبَاحَ الْقَصْرَ لِكُلِّ مُسَافِرٍ (٢) إلَّا أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ.


(١) أي: ابن قدامة.
(٢) لأن الشرع أباح القصر والفطر والمسح ثلاثة أيام لكل مسافر، فالأصل أنّ كلّ من خرج من بلده لغيره فهو مسافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>