وَاخْتِيَارِهِ لَهُ وَلرَعِيَّتِهِ أَسْهَل الْأُمُورِ وَبُعْدهُ عَنِ التَّشْدِيدِ وَالتَّغْلِيظِ: لَا يُنَاسِبُ أَنْ يَفْعَلَ الْأَمْرَ الْأثْقَلَ الْأشَدَّ، مَعَ تَرْكِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَلِيفَتَاهُ بَعْدَهُ، وَمَعَ رَغْبَةِ عُثْمَانَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَخَلِيفَتَيْهِ بَعْدَهُ لِمُجَرَّدِ كَوْنِ هَذَا الْمَفْضُولِ جَائِزًا إنْ لَمْ يَرَ أنَّ فِي فِعْلِ ذَلِكَ مَصْلَحَةً رَاجِحَةً بَعَثَتْة عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ. [٢٤/ ٨٥ - ٨٩]
٢٨١٠ - وَأَمَّا صَلَاةُ عُثْمَانَ فَقَد غرِفَ إنْكَارُ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا فَكَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَهُ؛ بَل كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَإِن انْفَرَدَ، ويقُولُ: الْخِلَافُ شَرٌّ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا انْفَرَدَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنْ صَلَاةَ السَّفَرِ أَرْبَعًا مَكْرُوهَة عِنْدَهُم وَمُخَالِفَة لِلسُّنَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا إعَادَةَ عَلَى مَن فَعَلَهَا، وَإِذَا فَعَلَهَا الْإِمَامُ اُتُّبعَ فِيهَا، وَهَذَا لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ لَيْسَتْ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ؛ بَل هِيَ مِن جِنْسِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَارَة وَيُصَلِّي أَرْبَعًا أُخْرَى، وَمَن فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ إنَّمَا يُصَلَّي أَرْبَعًا لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ مَن لَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا رَكْعَةً عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَإِذَا حَصَلَتْ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ خَطَبَ خطْبَتَيْنِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَلَو قُدِّرَ أَنَّهُ خَطَبَ وَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا لَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ، وَمَعَ هَذَا فَلَيْسُوا كَمَن صَلَّى الْفَجْرَ أَرْبَعًا؛ وَلهَذَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَن لَا تَجِبُ عَلَيْهِم الْجُمُعَةُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ أَرْبَعًا أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ فِي الْجُمُعَةِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يَأْتَمَّ بِمُقِيم فَيُصَلِّي خَلْفَهُ أَرْبَعًا.
فَإِنْ قِيلَ: الْجُمُعَةُ يُشْتَرَطُ لَهَا الْجَمَاعَةُ، فَلِهَذَا كَانَ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ فِيهَا خِلَافُ حُكْمِ الْمُؤتَمِّ؟
قِيلَ لَهُم: اشْتِرَاطُ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِيهِ نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute