للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَمُزْدَلِفَةَ لَمْ يَكُن لِخَوْفٍ وَلَا مَطَر وَلَا لِسَفَرٍ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَو كَانَ جَمْعُهُ لِلسَّفَرِ: لَجَمَعَ فِي الطَّرِيقِ، وَلَجَمَعَ بِمَكَّةَ كَمَا كَانَ يَقْصُرُ بِهَا، وَلَجَمَعَ لَمَّا خَرَجَ مِن مَكَّةَ إلَى مِنَى وَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، وَلَمْ يَجْمَعْ بِمِنَى قَبْلَ التَّعْرِيفِ، وَلَا جَمَعَ بِهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ أَيَّامَ مِنًى؛ بَل يُصَلَّي كُلَّ صَلَاةٍ رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ الْمَغْرِبِ وَيُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، وَلَا جَمْعُهُ أَيْضًا كَانَ لِلنُّسُكِ، فَإِنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِكَ لَجَمَعَ مِن حِينِ أَحْرَمَ، فَإِنَّهُ مِن حِينئِذٍ صَارَ مُحْرِمَا، فَعُلِمَ أَنَّ جَمْعَهُ الْمُتَوَاتِرَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ لَمْ يَكُن لِمَطَرٍ وَلَا خَوْفٍ، وَلَا لِخُصُوصِ النُّسُكِ، وَلَا لِمُجَرَّدِ السَّفَرِ، فَهَكَذَا جَمْعُة بِالْمَدِينَةِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الْجَمْعُ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَن أُمَّتِهِ، فَإِذَا احْتَاجُوا إلَى الْجَمْعِ جَمَعُوا.

فَالْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَن أُمَّتِهِ، فَيُبَاحُ الْجَمْعُ إذَا كَانَ فِي تَرْكِهِ حَرَجٌ قَد رَفَعَهُ اللهُ عَنِ الْأُمَّةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ لِلْمَرَضِ الَّذِي يُحْرِجُ صَاحِبَهُ بِتَفْرِيقِ الصَّلَاةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَيَجْمَعُ مَن لَا يُمْكِنُهُ إكْمَالُ الطَّهَارَةِ فِي الْوَقْتَيْنِ إلَّا بِحَرَجٍ؛ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنَ الصُّوَرِ (١). [٢٤/ ٧٤ - ٨٤]

٢٨٠٩ - فَصْلٌ: فِي تَمَامٍ الْكَلَامِ فِي الْقَصْرِ وَسَبَبِ إتْمَامِ عُثْمَانَ الصَّلَاةَ بِمِنَى .. رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أخْبرنَا مَعْمَرٌ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ: إنَّمَا صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنَى أَرْبَعًا لِأَنَّهُ قَد عَزَمَ عَلَى الْمُقَامِ بَعْدَ الْحَجِّ، وَرَجَّحَ الطَّحَاوِي هَذَا الْوَجْهَ.

قَالَ البيهقي: الْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ رُخْصَةً فَرَأَى الْإِتْمَامَ جَائِزًا كَمَا رَأَتْهُ عَائِشَةُ.

قُلْت: وَهَذَا بَعِيدٌ؛ فَإِنَّ عُدُولَ عُثْمَانَ عَمَّا دَاوَمَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَلِيفَتَاهُ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمسْلِمِينَ وَمَعَ مَا عُلِمَ مِن حِلْمِ عُثْمَانَ


(١) ويجمع كبير السن الذي يشق عليه الوضوء، ولا يستطيع الوصول إلى مكان الماء إلا بكلفة، ويجمع الناس في الجو المصحوب بالغبار الشديد الذي يُؤثر على تنفسهم وصحتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>