للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ".

قِيلَ لَهُ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" (١).

اسْتَدَلَّ أَحْمَد بِهِ عَلَى الْجَمْعِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ بِطَرِيقِ الأوْلَى، فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ لِهَذِهِ الْأُمُورِ أَوْلَى، وَهَذَا مِن بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْفِعْلِ، فَإِنَّهُ إذَا جَمَعَ لِيَرْفَعَ الْحَرَجَ الْحَاصِلَ بِدُونِ الْخَوْفِ وَالْمَطَرِ وَالسَّفَرِ؛ فَالْحَرَجُ الْحَاصِلُ بِهَذِهِ أَوْلَى أَنْ يُرْفَعَ، وَالْجَمْعُ لَهَا أَوْلَى مِنَ الْجَمْعِ لِغَيْرِهَا.

وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يُرِد الْجَمْعَ لِلْمَطَرِ- وَإِن كَانَ الْجَمْعُ لِلْمَطَرِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ- بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٢) مِن حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَن الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرّيتِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَبَدَتِ النُّجُومُ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُل مِن بَنِي تَمِيمٍ، لَا يَفْتُرُ وَلَا يَنْثَنِي: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتُعَلِّمُنِي بِالسُّنَّةِ لَا أُمَّ لَكَ؟ ثُمَّ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ".

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَقِيقٍ: فَحَاكَ فِي صَدْرِي مِن ذَلِكَ شَيْءٌ، فَأتَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَسَأَلْتُهُ فَصَدَّقَ مَقَالَتَهُ.

فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُن فِي سَفَرٍ وَلَا فِي مَطَرٍ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ عَلَى مَا فَعَلَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْجَمْعَ الَّذِي رَوَاهُ لَمْ يَكُن فِي مَطَرٍ، وَلَكِنْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي أَمْرٍ مُهِمٍّ مِن أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، يَخْطُبُهُم فِيمَا يَحْتَاجُونَ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَرَأَى أَنَّهُ إنْ قَطَعَهُ وَنَزَلَ فَاتَتْ مَصْلَحَتُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنَ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْجَمْعُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَجْمَعُ بِالْمَدِينَةِ لِغَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ؛ بَل لِلْحَاجَةِ تَعْرِضُ لَهُ، كَمَا قَالَ: "أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ"، وَمَعْلُومٌ أَنَّ جَمْعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ


(١) (٧٠٥).
(٢) (٧٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>