للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ مِن كلِّ أَحَدٍ لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوَلَدِ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْأَخِ.

فَهَذَا الَّذِي ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عِلْمٌ مُفَصَّلٌ مُبَيِّنٌ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [النجم: ٣٩]، "إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِن ثَلَاثٍ"؛ بَل هَذَا حَقٌّ وَهَذَا حَقٌّ.

أَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ قَالَ: لا انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِن ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" (١)، فَذِكْرُ الْوَلَدِ وَدُعَاؤُهُ لَهُ خَاصَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِن كَسْبِهِ.

فَلَمَّا كَانَ هُوَ السَّاعِيَ فِي وُجُودِ الْوَلَدِ: كَانَ عَمَلُهُ مِن كَسْبِهِ، بِخِلَافِ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأَبِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ أَيْضًا بِدُعَائِهِمْ بَل بِدُعَاءِ الْأَجَانِبِ، لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ مِن عَمَلِهِ.

وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِن ثَلَاثٍ"، لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِعَمَلِ غَيْرِهِ.

فَإِذَا دَعَا لَهُ وَلَذهُ كَانَ هَذَا مِن عَمَلِهِ الَّذِي لَمْ يَنْقَطِعْ، وَإِذَا دَعَا لَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُن مِن عَمَلِهِ لَكِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ.

وَأَمَّا الْآيَةُ .. فَإِنَّهُ قَالَ: {لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} وَهَذَا حَقٌّ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ سَعْيَهُ، فَهُوَ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَيَسْتَحِقُّهُ، كَمَا أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ مِنَ الْمَكَاسِبِ مَا اكْتَسَبَهُ هُوَ، وَأَمَّا سَعْيُ غَيْرِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَمِلْكٌ لِذَلِكَ الْغَيْرِ لَا لَهُ، لَكِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِسَعْيِ غَيْرِهِ، كَمَا يَنْتَفِعُ الرَّجُلُ بِكَسْبِ غَيْرِهِ.

وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ أَو الْحَيُّ أَو يُرْحَمُ بِهِ يَكُونُ مِن سَعْيِهِ؛ بَل أَطْفَالُ الْمُومِنِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مَعَ آبَائِهِمْ بِلَا سَعْيٍ. [٢٤/ ٣٠٩ - ٣١٣]


(١) رواه مسلم (١٦٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>