للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَهُنَّ كَمَا أَذِنَ لِلرِّجَالِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّ قَوْلَهُ -صلى الله عليه وسلم-: "فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُدَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ" (١): خِطَابٌ عَامٌّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالصَّحِيح أَنَّ النِّسَاءَ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي الْإَذْنَ فِي زِيارَةَ الْقُبُورِ لِعِدَّةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ -صلى الله عليه وسلم-: "فَزُورُوهَا" صِيغَةُ تَذْكِيرٍ، وَصِيغَةُ التَّذْكِيرِ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ بِالْوَضْعِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: لَو كَانَ النِّسَاءُ دَاخِلَاتٍ فِي الْخِطَابِ لَاسْتَحَبَّ لَهُنَّ زِيارَةَ الْقُبُورِ كَمَا اسْتَحَبَّ لِلرِّجَالِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

وَمَا عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْأَئِمَّةِ اسْتَحَبَّ لَهُنَّ زِيارَةَ الْقُبُورِ، وَلَا كَانَ النِّسَاءُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ يَخْرُجْنَ إلَى زِيارَةِ الْقُبُورِ كَمَا يَخْرُجُ الرِّجَالُ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَائِزِ أَوْكَدُ مِن زَيارَةِ الْقُبُورِ، وَمَعَ هَذَا فَقَد ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى النِّسَاءَ عَن اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَفِي ذَلِكَ تَفْوِيتُ صَلَاتِهِنَّ عَلَى الْمَيِّتِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِبَّ لَهُنَّ اتِّبَاعَهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَالثَّوَابِ فَكَيْفَ بِالزِّيَارَةِ؟!

بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ النِّسَاءَ أَنْ يُصَلِّينَ عَلَى الْمَيِّتِ بِلَا اتِّبَاعٍ كَمَا يُصَلِّينَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْتِ (٢) فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ لَهُ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي الْبَيْتِ.

وَقَوْلُ الْقَائِلِ: مَفْسَدَةُ التَّشْيِيعِ أَعْظَمُ: مَمْنُوعٌ؛ بَل إذَا رُخِّصَ لِلْمَرْأَةِ فِي الزِّيَارَةِ كَانَ ذَلِكَ مَظِنَّةَ تَكْرِيرِ ذَلِكَ، فَتَعْظُمُ فِيهِ الْمَفْسَدَةُ، وَيَتَجَدَّدُ الْجَزَعُ وَالْأَذَى لِلْمَيِّتِ، فَكَانَ ذَلِكَ مَظِنَّةَ قَصْدِ الرِّجَالِ لَهُنَّ وَالِافْتِتَانِ بِهِنَّ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بِسَبَب زِيارَةِ النِّسَاءِ الْقُبُورَ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالْفَوَاحِشِ وَالْفَسَادِ مَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْهُ عِنْدَ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ.


(١) قال الألباني في النصيحة (١٥٧): صحيح بشواهده.
(٢) أو في المسجد كما هو الحال اليوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>