للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ جِنْسَ زِيارَةِ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِن جِنْسِ اتِّبَاعِهِنَّ، وَأَنَّ نَهْيَ الِاتِّبَاعِ إذَا كَانَ نَهْيَ تَنْزِيهٍ لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَكُونَ نَهْيُ الزِّيَارَةِ نَهْيَ تَحْرِيمٍ.

وَمِن أُصُولِ الشَّرِيعَةِ: أَنَّ الْحِكْمَةَ إذَا كَانَت خَفِيَّةً أَو [غَيْرَ] (١) مُنْتَشِرَةٌ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِمَظِنَّتِهَا، فَيُحَرَّمُ هَذَا الْبَابُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، كمَا حَرَّمَ النَّظَرَ إلَى الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَكَمَا حَرَّمَ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ النَّظَرِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ مَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا دُعَاؤُهَا لِلْمَيِّتِ، وَذَلِكَ فمْكِن فِي بَيْتِهَا؛ وَلهذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: إذَا عَلِمَت الْمَرْأَةُ مِن نَفْسِهَا أَنَّهَا إذَا زَارَت الْمَقْبَرَةَ بَدَا مِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ مِن قَوْلٍ أَو عَمَلِ: لَمْ تَجُزْ لَهَا الزِّيَارَةُ بِلَا نِزَاعٍ. [٢٤/ ٣٤٣ - ٣٥٦]

٢٩٣٨ - لَيْسَ فِي زِيارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَا صَحِيحٌ.

وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللهُ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: زُرْت قَبْرَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَمَالِكٌ قَد أَدْرَكَ النَّاسَ مِنَ التَّابِعِينَ وَهُم أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ تُعْرَفُ عِنْدَهُم أَلْفَاظُ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَلهَذَا كَرِهَ مَن كَرِهَ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْقَبْرِ يَدْعُو.

بَل وَكَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنْ يَقُومَ لِلدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ هُنَاكَ، وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُن مِن عَمَلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَأَنَّهُ لَا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا.

وَقَد ذَكَرُوا فِي أَسْبَابِ كَرَاهَتِهِ أَنْ يَقُولَ: زُرْت قَبْرَ النَّبِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَد صَارَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُرِيدُ بِهِ الزِّيَارَةَ الْبِدْعِيَّةَ، وَهِيَ قَصْدُ الْمَيِّتِ لِسُؤَالِهِ وَدُعَائِهِ وَالرَّغْبَةِ إلَيْهِ فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَهُم يَعْنُونَ بِلَفْظِ الزِّيَارَةِ مِثْل هَذَا، وَهَذَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، فَكَرِهَ


(١) الذي يظهر أن هذه اللفظة مقحمة، أو كتبت سهوًا، وقد ذكر الشيخ هذه القاعدة بنصها في غير موضع بالإثبات لا بالنفي (٧/ ٢١٠، ٢٥/ ٢٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>