للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (١)، فَسَمَّى السَّفَرَ عَذَابًا وَلَيْسَ هُوَ عِقَابًا عَلَى ذَنْبٍ.

وَالْإِنْسَانُ فِي قَبْرِهِ يُعَذَّبُ بِكَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ وَيَتَألَّمُ بِرُؤَيةِ بَعْضِهِمْ وَبِسَمَاعِ كَلَامِهِ. وَلهَذَا أَفْتَى الْقَاضِي أَئو يَعْلَى: بِأَنَّ الْمَوْتَى إذَا عُمِلَ عِنْدَهُم الْمَعَاصِي فَإِنَّهُم يَتَأَلَّمُونَ بِهَا كَمَا جَاءَت بِذَلِكَ الْآثَارُ.

وَقَد يَنْدَفِعُ حُكْمُ السَّبَبِ بِمَا يُعَارِضُهُ، فَقَد يَكُونُ فِي الْمَيِّتِ مِن قُوَّةِ الْكَرَامَةِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ مِنَ الْعَذَابِ، كَمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ النَّاسِ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَدْفَعُ ضَرَرَ الْأَصْوَاتِ الْهَائِلَةِ وَالْأَرْوَاحِ وَالصُّوَرِ الْقَبِيحَةِ.

وَمَا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا وَالْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ مِنَ الْأَلَمِ (٢) الَّتِي هِيَ عَذَابٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُكَفِّرُ اللهُ بِهِ خَطَايَاهُ.

وَمَا ذَكَرْنَا فِي أَنَّ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ الْخِطَابَ وَيَصِلُ إلَيْهِم الثَّوَابُ وَيُعَذَّبُونَ بِالنِّيَاحَةِ؛ بَل وَمَا لَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ السَّائِلُ مِن عِقَابِهِم فِي قُبُورِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَقَد يُكْشَفُ لِكَثِيرٍ مِن أَبْنَاءِ زَمَانِنَا يَقَظَةً وَمَنَامًا، وَيَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَيَتَحَقَّقُونَهُ، وَعِنْدَنَا مِن ذَلِكَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ، لَكِنَّ الْجَوَابَ فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَمَا كُشِفَ لِلْإِنْسَانِ مِن ذَلِكَ أَو أَخْبَرَهُ بِهِ مَن هُوَ صَادِقٌ عِنْدَهُ فَهَذَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَن عَلِمَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُهُ إيمَانًا وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَت بِهِ النُّصُوصُ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ الْإِيمَانُ بِغَيْرِ مَا جَاءَت بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ التَّصْدِيقَ بِمَا جَاءَت بِهِ الْأَنْبِيَاءُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: ١٣٦]. [٢٤/ ٣٦٩ - ٣٧٧]

٢٩٤٤ - أَطْفَالُ الْكُفَّارِ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِيهِمْ: أَنْ يُقَالَ فِيهِمْ: اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانوا عَامِلِينَ، كَمَا قَد أَجَابَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. [٢٤/ ٣٧٢]


(١) رواه البخاري (١٨٠٤)، ومسلم (١٩٢٧).
(٢) هكذا في الأصل! ولعل الصواب: (الآلام)، ويدل عليه ما بعده: (الَّتِي هِيَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>