للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ إنَّ هَذَا الشَّيْخَ الْمُعَظَّمَ الْجَلِيلَ، وَالْإِمَامَ الْمُكَرَّمَ النَّبِيلَ، أَوْحَدُ الدَّهْرِ، وَفَرِيدُ الْعَصْرِ، طِرَازُ الْمَمْلَكَةِ الْمَلَكِيَّةِ، وَعَلَمُ الدَّوْلَةِ السُّلْطَانِيَّةِ، لَو أَقْسَمَ مُقْسِمٌ بِاللهِ الْعَظِيمِ الْقَدِيرِ، أَنَّ هَذَا الْإِمَامَ الْكَبِيرَ، لَيْسَ لَهُ فِي عَصْرِهِ مُمَاثِلَ وَلَا نَظِيرٌ، لَكَانَت يَمِينُهُ بَرَّةً غَنِيَّةً عَن التَّكْفِيرِ، وَقَد خَلَتْ مِن وُجُودِ مِثْلِهِ السَّبْعُ الْأَقَالِيمُ إلَّا هَذَا الْإِقْلِيمَ، يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ كُلُّ مُنْصِفٍ خبِلَ عَلَى الطَّبْعِ السَّلِيمِ، وَلَسْتُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ أُطْرِيهِ، بَل لَو أَطْنَبَ مُطْنِبٌ فِي مَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، لَمَا أَتَى عَلَى بَعْضِ الْفَضَائِلِ الَّتِي هِيَ فِيهِ: أَحْمَد ابْن تَيْمِيَّة، دُرَّةٌ يَتِيمَةٌ، يُتَنَافَسُ فِيهَا، تُشْتَرَى وَلَا تُبَاعُ، لَيْسَ فِي خَزَائِنِ الْمُلُوكِ دُرَّةٌ تُمَاثِلُهَا وَتُؤَاخِيهَا، انْقَطَعَتْ عَن وُجُودِ مِثْلِهِ الْأَطْمَاعُ، وَلَقَد أَصَمَّ الْأَسْمَاعَ، وَأَوْهَى قُوَى الْمَتْبُوعِينَ وَالْأَتْبَاعِ، سَماعُ رَفْعِ أَبِي الْعَبَّاسِ -أَحْمَد ابْنِ تَيْمِيَّة- إلَى الْقِلَاعِ.

وَلَيْسَ يَقَعُ مِن مِثْلِهِ أَمْرٌ يُنْقَمُ مِنْهُ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ أَمْرًا قَد لُبِّسَ عَلَيْهِ، وَنُسِبَ إلَى مَا يُنْسَبُ مِثْلُهُ إلَيْهِ.

وَالظَّاهِرُ بَيْنَ الْأَنَامِ، أَنَّ إكْرَامَ هَذَا الْإِمَام، وَمُعَامَلَتَهُ بِالتَّبْجِيلِ وَالِاحْتِرَامِ، فِيهِ قِوَامُ الْمُلْكِ، وَنِظَامُ الدَّوْلَةِ، وَإِعْزَازُ الْمِلَّةِ، وَاسْتِجْلَابُ الدُّعَاءِ، وَكَبْتُ الْأَعْدَاءِ، وَإِذْلَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ، وَإِحْيَاءُ الْأُمَّةِ، وَكَشْفُ الْغُمَّةِ، وَوُفُورُ الْأَجْرِ، وَعُلُوُّ الذِّكْرِ، وَرَفْعُ الْبَأْسِ، وَنَفْعُ النَّاسِ (١)، وَلسَانُ حَالِ الْمُسْلِمِينَ تَالٍ قَوْلَ الْكَبِيرِ المتعال: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)} [يوسف: ٨٨].

وَالْبِضَاعَةُ الْمُزْجَاةُ: هِيَ هَذِهِ الْأَوْرَاقُ الْمَرْقُومَةُ بِالْأَقْلَامِ.

وَالْمِيرَةُ الْمَطْلُوبَةُ: هِيَ الْإِفْرَاجُ عَن شَيْخِ الْإِسْلَامِ.


(١) وهكذا الشأن في إكرام جميع العلماء في كل عصر ومِصر، فإن إكرامهم سببٌ في رفعة الحاكم، ودوام سلطانه، وعزته ونصرِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>