الْوَجْهُ الْعِشْرُونَ: أَنَّهُ لَو قُدِّرَ أَن الْعَالِمَ الْكَثِيرَ الْفَتَاوَى أَخْطَأَ فِي مِائَةِ مَسْأَلَةٍ لَمْ يَكُن ذَلِكَ عَيْبًا، وَكُلُّ مَن سِوَى الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- يُصِيبُ ويُخْطِئُ، وَمَن مَنَعَ عَالِمًا مِنَ الْإِفْتَاءِ مُطْلَقًا وَحَكَمَ بِحَبْسِهِ لِكَوْنِهِ أَخْطَأَ فِي مَسَائِلَ: كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا بِالْإِجْمَاعِ؛ فَالْحُكْمُ بِالْمَنْعِ وَالْحَبْسِ حُكْمٌ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْمُفْتِي قَد أَجَابَ بِمَا هُوَ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَوْلُ عُلَمَاءِ أُمَّتِهِ؟
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُم قَالُوا: يُمْنَعُ مِنَ الْفَتَاوَى الْغَرِيبَةِ الْمَرْدُودَةِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِن أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحُكْمُ بِهِ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الْأرْبَعَةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَهُ إنَّمَا يُنْقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا خَالَفَ كِتَابًا أَو سُنَّةً أَو إجْمَاعًا أَو مَعْنَى ذَلِكَ، فَأَمَّا مَا وَافَقَ قَوْلَ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ لِأَجْلِ مُخَالَفَتِهِ قَوْلَ الْأَرْبَعَةِ، وَمَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ الْمُفْتِي بِالْإِجْمَاعِ؛ بَل الْفُتْيَا أَيْسَرُ؛ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُلْزِمُ وَالْمُفْتِيَ لَا يُلْزِمُ.
الْوَجْة التَّاسِعُ وَالثلَاُثونَ: أَّنَّهُ لَو قُدِّرَ أَنَّ الْعَالِمَ الْكَثِيرَ الْفَتَاوَى أَفْتَى فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ بِخِلَافِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الثَّابِتَةِ عَنْهُ، وَخِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ: لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ مِن الْفُتْيَا مُطْلَقًا؛ بَل يُبَيَّنُ لَهُ خَطَؤُهُ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ، فَمَا زَالَ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِن أَعْصَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَن بَعْدَهُم مِن عُلَمَاءِ الْفسْلِمِينَ مَن هُوَ كَذَلِكَ.
الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ (١): أَنَّ مَا قَالُوهُ لَو قَالَهُ مُفْتٍ لَوَجَبَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ وَحَبْسُهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ عَن الْإِفْتَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاع فَكَيْفَ إذَا قَالَهُ حَاكِمٌ يُلْزِمُ النَّاسَ بِهِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَالْعُقُوبَةِ عَلَى ذَلِكَ كَأَهْلِ الْبِدَع: مِن الْخَوَارِجِ وَالرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ وَاَلَّذِينَ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً يُلْزِمُونَ بِهَا النَّاسَ وَيُعَادُونَ مَن خَالَفَهُم فِيهَا وَيَسْتَحِلُّونَ عُقُوبَتَهُ وَالْبِدَعُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلشِّرْكِ وَاتِّخَاذِ الْقُبُورِ أَوْثَانًا
(١) هذا آخر الأوجه، وقارن بين فتوى هؤلاء القضاة وفتواه من ناحية الطول وذكر الأدلة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute