الْمَسَائِلِ، وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَتَنَازَعوا فِيهِ، وَلَا يَعْرِفُونَ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا رَغَّبَ فِيهِ وَمَا نَهَى عَنْة وَلَمْ يَسُنَّهُ، وَلَا يَعْرِفُونَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَالضَّعِيفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ؛ بَل وَلَا يَعْرِفُونَ مَذْهَبَهُم فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَلَا عِنْدَهُم نَقْلٌ عَن الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ مِن أَتْبَاعِهِمْ فِيمَا قَالُوهُ وَحَكَمُوا بِهِ؛ بَل هُم فِيهِ بِمَنْزِلَةِ آحَادِ الْمُتَفَقِّهَةِ الطَّلَبَةِ الَّذِينَ يَنْبَغِي لَهُم طَلَبُ عِلْمِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ بَل لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُفْتِيَ فِيهَا وَلَا يُنَاظِرَ وَلَا يُصَنِّفَ، فَضْلًا عَن أَنْ يَحْكُمَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَن كَانَ كَذَلِكَ وَحَكَمَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ فِيهِ: كَانَ حُكمُهُ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ، فَكَيْفَ إذَا حَكَمَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ الْحُكْمُ، وَحَكَمَ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ؛ فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ كَانَ حُكْمُهُ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ.
السَّادِسَ عَشَرَ: لَو كَانَ لَهُم فِيهَا الْحُكْمُ، وَقَد حَكَمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ: لَمْ يَكُن لَهُم الْحُكْمُ حَتَّى يَسْمَعُوا كَلَامَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَحجَّتَهُ وَيعْذُرُوا إلَيْهِ، وَهَل لَهُ جَوَابٌ أَمْ لَا؟
فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ تَنَازَعُوا فِي الْحُقُوقِ كَالْأَمْوَالِ: هَل يُحْكَمُ فِيهَا عَلَى غَائِبٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمَن جَوَّزَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ قَالَ: هُوَ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ تُسْمَعُ إذَا حَضَرَ.
فَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ وَالْحُدُودُ فَلَا يُحْكَمُ فِيهَا عَلَى غَائِبٍ، وَهَؤُلَاءِ حَكَمُوا عَلَى غَائِبٍ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُمَكِّنُوهُ مِن سَمَاعِ كَلَامِهِ وَالْإِدْلَاءِ بِحُجَّتِهِ.
السَّابعَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَو كَانَ الْحَاكِمُ خَصْمًا لِشَخْصٍ فِي حَقٍّ مِن الْحُقُوقِ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ عَلَى خَصْمِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الْمَسَائِلُ الْعِلْمِيَّةُ إذَا تَنَازَعَ حَاكِمٌ وَغَيْرُهُ مِن الْعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ آيَةٍ أَو حَدِيثٍ أَو بَعْضِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ لَمْ يَكُن لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُمَا خَصْمَانِ فِيمَا تَنَازَعَا فِيهِ، وَالْحَاكِمُ لَا يَحْكُمُ عَلَى خَصْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute