للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَمْ يَكُن الصَّحَابَةُ يَدْخُلُونَ إلَى عِنْدِ الْقَبْرِ، وَلَا يَقِفُونَ عِنْدَهُ خَارِجًا، مَعَ أَنَّهُم يَدْخُلُونَ إلَى مَسْجِدِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا.

وَكَانُوا يَقْدمُونَ مِن الْأَسْفَارِ لِلِاجْتِمَاعِ بِالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِهِ، وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَلَا يَأْتُونَ الْقَبْرَ؛ إذ كَانَ هَذَا عِنْدَهُم مِمَّا لَمْ يَأْمُرْهُم بِهِ وَلَمْ يَسُنَّهُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُم وَسَنَّ لَهُم الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَعِنْدَ دُخُولِهِمْ الْمَسَاجِدَ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَلَكِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْتِيهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبَيْهِ عِنْدَ قُدُومِهِ مِن السَّفَرِ، وَقَد يَكون فَعَلَهُ غَيْرُ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا.

فَلِهَذَا رَأَى مَن رَأَى مِن الْعُلَمَاءِ هَذَا جَائِزًا اقْتِدَاءً بِالصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم، وَابْنُ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا يَقِفُ، يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَتْ ثُمَّ يَنْصَرِفُ.

وَلَمْ يَكُن جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ يَفْعَلُونَ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ؛ بَل كَانَ الْخُلَفَاءُ وَغَيْرُهُم يُسَافِرُونَ لِلْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَيرْجِعُونَ وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؛ إذ لَمْ يَكُن هَذَا عِنْدَهُم سُنَّة سَنَّهَا لَهُمْ (١).


(١) أي: على الخصوص، وإلا فزيارة القبور قد سنها بقوله وفعله، وزيارة قبره داخلة في زيارة القبور، لكن المبالغة في ذلك خلاف هدي الصحابة والتابعين كما قرره الشيخ وغيرُه.
والشيخ هنا لا يرى أن تخصيص زيارة القبر لمن صلى في المسجد سُنَّة، بل غايته أنه جائز، وهذا يشمل أهل المدينة عند عودهم من السفر، وبشمل من كان من غير أهل المدينة، لاستشهاده بأمداد أهل اليمن.
مع أن الشيخ -كما سبق- قد أطلق القول بأن السلام عليه من أفضل الأعمال لمن سافر إلى مسجده حيث قال رَحِمَه الله: وَإِن كَانَ الْمُسَافِرُ إلَى مَسْجِدِهِ يَزُورُ قَبْرَهُ -صلى الله عليه وسلم-، بَل هَذَا مِن أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِن كَلَامِي وَكَلَامِ غَيْرِي نَهْيٌ عَن ذَلِكَ، وَلَا نَهْيٌ عَن الْمَشْرُوعِ فِي زَيارةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَلَا عَن الْمَشْرُوعِ فِي زِيارَةِ سَائِرِ القُبُورِ، بَل قَد ذَكَرْت فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ اسْتِحْبَابَ زَيارَةِ الْقُبُورِ ..
وَإِذَا كَانَت زِيَارَةُ قُبُورِ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ مَشْرُوعَةً فَزِيَارَةُ قُبُورِ الْأنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَوْلَى. اهـ. (٢٧/ ٣٣٠ - ٣٣١)

<<  <  ج: ص:  >  >>