للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَذَلِكَ أَزْوَاجُهُ كُنَّ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ وَبَعْدَهُم يُسَافِرُونَ إلَى الْحَجِّ، ثُمَّ تَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إلَى بَيْتِهَا كَمَا وَصَّاهُنَّ بِذَلِكَ.

وَكَانَت أَمْدَادُ الْيَمَنِ الَّذِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ يَأْتُونَ أَفْوَاجًا مِن الْيَمَن لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، ويُصَلُّونَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي مَسْجِدِهِ، وَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْهُم إلَى دَاخِلِ الْحُجْرَةِ وَلَا يَقِفُ فِي الْمَسْجِدِ خَارِجًا لَا لِدُعَاءٍ وَلَا لِصَلَاةٍ وَلَا سَلَامٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانُوا عَالِمِينَ بِسُنَّتِهِ كَمَا عَلَّمَتْهُم الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، وَأَنَّ حُقُوقَهُ لَازِمَةٌ لِحُقُوقِ اللهِ عزَّوجلَّ، وَأَنَّ جَمِيعَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَأَحَبَّهُ مِن حُقُوقِهِ وَحُقُوقِ رَسُولِهِ، فَإِنَّ صَاحِبَهَا يُؤْمَرُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ وَالْبِقَاعِ.

فَلَيْسَتِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ قَبْرِهِ الْمُكَرَّمِ بِأَوْكَدَ مِن ذَلِكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ بَل صَاحِبُهَا مَأْمُورٌ بِهَا حَيْثُ كَانَ: إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا عِنْدَ الْأَسْبَابِ الْمُؤَكِّدَةِ لَهَا كَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالْأَذَانِ. [٢٧/ ٤٠٠ - ٤٠١]

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِن عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْكَرَاهَةِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ قَصْدَهُم الْقَبْرَ إذَا دَخَلُوا أَو خَرَجُوا مِنْهُ وَنَحْو ذَلِكَ وَإِن كَانَ قَصْدُهُم مُجَرَّدَ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَأْتِي قُبَاء رَاكِبًا وَمَاشَيًا كُلَّ سَبْتٍ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (١) مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْتِي قُبَاء كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا"، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ، زَادَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "فَيُصَلِّي فِيهِ رَكعَتَيْن".

وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِهِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، وَيَذْهَبُ إلَى مَسْجِدِ قُبَاء فَيُصَلِّي فِيهِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَكِلَاهُمَا أُسِّس عَلَى التَّقْوَى.

وَلَمْ يَكُن ابْنُ عُمَرَ وَلَا غَيْرُهُ إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ بِالْمَدِينَةِ يَأْتُونَ قَبْرَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَا فِي الْأُسْبُوعِ وَلَا فِي غَيْرِ الْأُسْبُوعِ، وَإِنَّمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْتِي الْقَبْرَ إذَا قَدِمَ


(١) رواه البخاري (١١٣٤)، ومسلم (١٣٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>