للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِن سَفَرٍ، وَكَثِيرٌ مِن الصَّحَابَةِ أَو أَكْثَرُهُم كَانُوا يَقْدمُونَ مِن الْأسْفَارِ وَلَا يَأْتُونَ الْقَبْرَ لَا لِسَلَام وَلَا لِدُعَاء وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَكُونُوا يَقِفُونَ عِنْدَهُ خَارجَ الْحُجْرَةِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ، وَلَمْ يَكُن أَحَدٌ مِنْهُم يَدْخُلُ الْحُجْرَةَ لِذَلِكَ؛ بَل وَلَا يَدْخُلُونَهَا إلَّا لِأَجْلِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- لَمَّا كَانَت مُقِيمَةً فِيهَا.

وَحِينَئِذٍ فَكَانَ مَن يَدْخُلُ إلَيْهَا يُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ إذَا حَضَرُوا عِنْدَهُ.

وَأَمَّا السَّلَامُ الَّذِي لَا يَسْمَعُهُ (١): فَذَلِكَ سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِم بِهِ عَشْرًا كَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَهَذَا السَّلَامُ مَأْمُورٌ بِهِ فِي كُلِّ مَكانٍ وَزَمَانٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِن السَّلَامِ الْمُخْتَصِّ بِقَبْرِهِ (٢)، فَإِنَّ هَذَا الْمُخْتَصَّ بِقَبْرِهِ مِن جِنْسِ تَحِيَّةِ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا.

وَأَمَّا السَّلَامُ الْمُطْلَقُ الْعَامُّ: فَالْأَمْرُ بِهِ مِن خَصَائِصِهِ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ مِن خَصَائِصِهِ. [٢٧/ ٤٠٥ - ٤٠٨]

وَقَد تَبَيَّنَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَجُمْهُورَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ وَيُصَلُّونَ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (٣)، وَلَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ (٤) عِنْدَ الْخُرُوجِ مِن الْمَدِينَةِ وَعِنْدَ الْقُدُومِ مِن السَّفَرِ؛ بَل يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ فَيُصَلُّونَ فِيهِ، وَيُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَلَا يَأْتُونَ الْقَبْرَ، وَمَقْصُودُ بَعْضِهِم التَّحِيَّةُ.

وَأَيْضًا: فَقَد اُسْتُحِبَّ لِكُلِّ مَن دَخَلَ الْمَسْجِدَ أنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولَ: بِسْمِ اللهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ يَقُولُ: بِسْمِ اللهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ


(١) وهو السلام عليه من بعيد، كان يكون المسلِّمُ عليه في البيت أو في الصلاة.
(٢) وهذا ما يجهله الكثير من الناس؛ لأن النصوص الكثيرة جاءت بها، في حين لم يأت شيء بخصوص السلام عند القبر. فانظر فقه الشيخ الدقيق رَحِمَه الله.
(٣) عند دخول المسجد النبوي، وحاله كحال أيّ مسجد.
(٤) عند قبره.

<<  <  ج: ص:  >  >>