الانتفاع بذلك في الدنيا لم يدخل في الميراث، فيكون المستحق أحق بحقه في الآخرة، كما في المظالم، والإرث مشروط بالتمكن من الاستيفاء كما أنه مشروط بالعلم بالوارث.
فلو مات وله عصبة بعيدة لا يعرف نسبهم لم يرثوه في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا عام في جميع الحقوق التي لله ولعباده هي مشروطة بالتمكن من العلم والقدرة، والمجهول والمعجوز عنه كالمعدوم.
ولهذا قال العلماء: إن ما يجهل مالكه من الأموال التي قبضت بغير حق؛ كالمكوس أو قبضت بحق كالوديعة والعارية وجهل صاحبها بحيث تعذر ردها عليه فإنها تصرف في مصالح المسلمين، وتكون حلالًا لمن أخذها بحق؛ كأهل الحاجة والاستعانة بها على مصالح المسلمين، دون من أخذها بباطل، كمن يأخذ فوق حقه.
ثم المظلوم إذا طالب بها يوم القيامة وعليه زكاة فلا تقوم هذه بالزكاة بل عقوبة الزكاة أعظم من حسنة المظالم، والوعيد بترك الزكاة عظيم، ولكن الذي ورد أن الفرائض تجبر بالنوافل، فهذا إذا تصدق باختياره صدقة تطوع، ولا يكون شيئًا خرج بغير اختياره فإنه يرجى له أن يحاسب بما تركه من الزكاة إذا كان من أهلها العازمين على فعلها.
و"أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن أكملها وإلا قيل: انظروا إن كان لعبدي تطوع فيكمل بها فريضته ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حساب ذلك"(١)، روى ذلك أحمد في"المسند".
هذا لأن التطوع من جنس الفريضة فأمكن الجبران به عند التعذر، كما قال الصديق -رضي الله عنه-: إن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى فريضة.
فيكون من رحمة الله به أن يجعل النفل مثل الفرض، بمنزلة من أحرم
(١) رواه ابن ماجه (١٤٢٥)، وأحمد (٩٤٩٤)، وصحَّحه الألباني في صحيح ابن ماجه.