للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثَّانِي: بَل الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهَا عَن الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَلَا يُعْطِيَ أَحَدًا فَوْقَ كِفَايَتِهِ، وَلَا يُحَابِيَ أحَدًا بِحَيْثُ يُعْطِي وَاحِدًا وَيدَعُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ مَعَ إمْكَانِ الْعَدْلِ.

وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ: إذَا دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ جَمِيعَهَا لِوَاحِدِ مِنْ صِنْفٍ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَارِمًا عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا يَجِدُ لَهَا وَفَاءً فَيُعْطِيهِ زَكَاتَهُ كُلَّهَا، وَهِيَ أَلْفُ دِرْهَمٍ اَجْزَأَهُ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنِ الصَّحَابَةِ .. وَقَدْ ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لقبيصة بْنِ مخارق الْهِلَالِيِّ: "أَقِمْ يَا قَبِيصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَك بِهَا". وَفِي "سُنَنِ أبِي دَاوُد" وَغَيْرِهَا أَنَّهُ قَالَ لسلمة بْنِ صَخْرٍ البياضي: اذْهَبْ إلَى عَامِلِ بَنِي زُريقٍ فَلْيَدْفَعْ صَدَقَتَهُمْ إلَيْك.

فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَّنَّهُ دَفَعَ صَدَقَةَ قَوْمٍ لِشَخْصِ وَاحِدٍ لَكِنَّ الْآمِرَ هُوَ الْإِمَامُ وَفِي مِثْلِ هَذَا تَنَازُعٌ، وَمي الْمَسْألَةِ بَحْثٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَا تَحْتَمِلُهُ هَذِهِ الْفَتْوَى، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْأَصْلُ الثَّانِي: وَهُوَ "صَدَقَةُ الْفِطْرِ"، فَإِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ هَلْ تَجْرِي مَجْرَى صَدَقَةِ الْأَمْوَالِ أَوْ صَدَقَةِ الْأَبْدَانِ كَالْكفَّارَاتِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.

فَمَن قَالَ بِالْأَوَّلِ وَكَانَ مِن قَوْلِهِ وُجُوبُ الِاسْتِيعَابِ (١) أَوْجَبَ الِاسْتِيعَابَ فِيهَا.

وَمَن كَانَ مِن مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ كَقَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُم يُجَوِّزُونَ دَفْعَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَى وَاحِدٍ كَمَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا.

وَمَن قَالَ بِالثَّانِي إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ تَجْرِي مَجْرَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ وَمَجْرَى كَفَّارَةِ الْحَجِّ، فَإِنَّ سَبَبَهَا هُوَ الْبَدَنُ لَيْسَ هُوَ الْمَالَ.


(١) أي: استيعاب الأصناف الثمانية بدفع الزكاة لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>