وَإِن قُدِّرَ أَنَّ السَّمَاءَ الْمُرَاد بِهَا الْأَفْلَاكُ: كَانَ الْمُرَادُ إنَّهُ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١]، وَكَمَا قَالَ: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [آل عمران: ١٣٧]، وَيُقَالُ: فُلَانٌ فِي الْجَبَلِ، وَفِي السَّطْحِ، وَإِن كَانَ عَلَى أَعْلَى شَيءٍ فِيهِ. [٣/ ٥٢ - ٥٣]
٢٧٢ - وَصَفَ -تعالى- الْقُرْآنَ كُلَّهُ بِأَنَّهُ مُحْكَمٌ وَبِأَنَّهُ مُتَشَابِهٌ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ جَعَلَ مِنْهُ مَا هُوَ مُحْكَمٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُتَشَابِهٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ الْإِحْكَامُ وَالتَّشَابُهُ الَّذِي يَعُمُّهُ، وَالْإِحْكَامُ وَالتَّشَابُهُ الَّذِي يَخُصُّ بَعْضَهُ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود: ١] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَحْكَمَ آيَاتِهِ كُلَّهَا.
وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: ٢٣] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كُلُّهُ مُتَشَابِهٌ.
وَالْحُكْمُ: هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ؛ فَالْحَاكِمُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَالْحُكْمُ فَصْلٌ بَيْنَ الْمُتَشَابِهَاتِ عِلْمًا وَعَمَلًا، إذَا مَيَّزَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالصِّدْقِ وَالْكذِبِ، وَالنَّافِعِ وَالضَّارِّ، وَذَلِكَ يَتَضمَّنُ فِعْلَ النَّافِعِ وَتَرْكَ الضَّارِّ.
وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ مُحْكَمٌ بِمَعْنَى الْإِتْقَانِ، فَقَد سَمَّاهُ اللهُ حَكِيمًا بِقَوْلِهِ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (١)} [يونس: ١] فَالْحَكِيمُ بِمَعْنَى الْحَاكِمِ؛ كَمَا جَعَلَهُ يَقصُّ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦)} [النمل: ٧٦]، وَجَعَلَهُ مُفْتِيًا فِي قَوْلِهِ: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} [النساء: ١٢٧]؛ أَيْ: مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، وَجَعَلَهُ هَادِيًا وَمُبَشّرًا فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} [الإسراء: ٩].
وَأَمَّا التَّشَابُهُ الَّذِي يَعُمُّهُ: فَهُوَ ضِدُّ الِاخْتِلَافِ الْمَنْفِيِّ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢].
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute