فَالتَّشَابُة هُنَا: هُوَ تَمَاثُلُ الْكَلَامِ وَتَنَاسُبُهُ، بحَيْثُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَإِذَا أَمَرَ بِأَمْر لَمْ يَأْمُرْ بِنَقِيضِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ؛ بَل يَأْمُرُ بِهِ أو بِنَظِيرِهِ أَو بِمَلْزُومَاتِهِ، وَإِذَا نَهَى عَن شَيْءٍ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ؛ بَل يَنْهَى عَنْهُ أَو عَن نَظِيرِهِ أَو عَن مَلْزُومَاتِهِ، إذَا لَمْ يَكُن هُنَاكَ نَسْخٌ.
وَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ بِثُبُوتِ شَيْءٍ: لَمْ يُخْبِرْ بِنَقِيضِ ذَلِكَ؛ بَل يُخْبِرُ بِثُبُوتِهِ أَو بِثُبُوتِ مَلْزُومَاتِهِ، وَإِذَا أَخْبَرَ بِنَفْيِ شَيْءٍ لَمْ يُثْبِتْهُ؛ بَل يَنْفِيهِ أَو يَنْفِي لَوَازِمَهُ.
بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْمُخْتَلِفِ، الَّذِي يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
فَالْأَقْوَالُ الْمُخْتَلِفَةُ هُنَا هِيَ الْمُتَضَادَّةُ، وَالْمُتَشَابِهَةُ هِيَ الْمُتَوَافِقَةُ.
فَهَذَا التَّشَاُبهُ الْعَامُّ لَا يُنَافِي الْإِحْكَامَ الْعَامَّ؛ بَل هُوَ مُصَدِّقٌ لَهُ؛ فَإِنَّ الْكَلَامَ الْمُحْكَمَ الْمُتْقَنَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، لَا يُنَاقِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بِخِلَافِ الْإِحْكَامِ الْخَاصِّ؛ فَإِنَّهُ ضِدُّ التَّشَاُبهِ الْخَاصِّ.
وَالتَّشَابُهُ الْخَاصُّ هُوَ مُشَابَهَةُ الشَّيءِ لِغَيْرِهِ مِن وَجْهٍ، مَعَ مُخَالَفَتِهِ لَهُ مِن وَجْهٍ آخَرَ، بِحَيْثُ يَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ أنَّهُ هُوَ أَو هُوَ مِثْلُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَالْإِحْكَامُ: هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا، بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ.
وَهَذَا التَّشَاُبهُ إنَمَا يَكُونُ بِقَدْر مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعَ وُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا.
ثُمَّ مِن النَّاسِ مَن لَا يَهْتَدِي لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ فشْتَبِهًا عَلَيْهِ، وَمِنْهُم مَن يَهْتَدِي إلَى ذَلِكَ.
فَالتَّشَابُهُ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ مَعَهُ: قَد يَكُونُ مِن الْأمُورِ النِّسْبِيَّةِ الْإِضَافِيَّةِ، بِحَيْثُ يَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ، وَمِثْلُ هَذَا يَعْرِفُ مِنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مَا يُزِيلُ عَنْهُم هَذَا الِاشْتِبَاه.
وَمِن هَذَا الْبَابِ: الشُّبَهُ الَّتِي يَضِلُّ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَهِيَ مَا يَشْتَبِهُ فِيهَا الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ حَتَّى تَشْتَبِهَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ، وَمَن أُوتِيَ الْعِلْمَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ.