للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْقِيَاسُ الْفَاسِدُ إنَّمَا هُوَ مِن بَابِ الشُّبُهَاتِ؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ لِلشَّيْءِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ بِمَا لَا يُشْبِهُهُ فِيهِ، فَمَن عَرَفَ الْفَصْلَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ: اهْتَدَى لِلْفَرْقِ الَّذِي يَزُولُ بِهِ الِاشْتِبَاهُ وَالْقِيَاسُ الْفَاسِدُ.

وَمَا مِن شَيْئَيْنِ إلَّا وَيَجْتَمِعَانِ فِي شَيءٍ وَيَفْتَرِقَانِ فِي شَيْءٍ، فَبَيْنَهُمَا اشْتِبَاهٌ مِن وَجْهٍ، وَافْتِرَاقٌ مِن وَجْهٍ.

فَلِهَذَا كَانَ ضَلَالُ بَنِي آدَمَ مِن قِبَلِ التَّشَابُهِ.

وَالْقِيَاسُ الْفَاسِدُ لَا يَنْضَبِطُ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ مَا يُخْطِئُ النَّاسُ مِن جِهَةِ التَّأْوِيلِ وَالْقِيَاسِ، فَالَتَّأْوِيلُ: فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، وَالْقِيَاسُ: فِي الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ.

وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَالتَّأْوِيلُ الْخَطَأُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْألْفَاظِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَالْقِيَاسُ الْخَطَأُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَعَانِي الْمُتَشَابِهَةِ.

وَمَن هَدَاهُ اللهُ: فَرَّقَ بَيْنَ الْأمُورِ وَاِن اشْتَرَكَتْ مِن بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَعَلِمَ مَا بَيْنَهُمَا مِن الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ، وَالتَّشَابُهِ وَالِاخْتِلَافِ.

وَهَؤُلَاءِ لَا يَضِلُّونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِن الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُم يَجْمَعُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحْكَمِ الْفَارِقِ الَّذِي يُبَيِّنُ مَا بَيْنَهُمَا مِن الْفَصْلِ وَالِافْتِرَاقِ.

وَهَذَا كَمَا أَنَّ لَفْظَ (إَّنا) وَ (نَحْنُ) وَغَيْرهُمَا مِن صِيَغٍ الْجَمْعِ يَتَكَلَّمُ بِهَا الْوَاحِدُ لَهُ شُرَكَاءُ فِي الْفِعْلِ، وَيَتَكَلَّمُ بِهَا الْوَاحِدُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَهُ صِفَاتٌ تَقُومُ كُلُّ صِفَةٍ مَقَامَ وَاحِدٍ، وَلَهُ أَعْوَانٌ تَابِعُونَ لَهُ، لَا شُرَكَاءَ لَهُ، فَإِذَا تَمَسَّكَ النَّصْرَانِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [الحجر: ٩] وَنَحْوَهُ عَلَى تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ: كَانَ الْمُحْكَمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: ١٦٣] وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا يُزِيلُ مَا هُنَاكَ مِن الِاشْتِبَاهِ، وَكَانَ مَا ذَكَرَهُ مِن صِيغَةِ الْجَمْعِ مُبَيِّنًا لِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِن الْعَظَمَةِ، وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَطَاعَةِ الْمَخْلُوقَاتِ مِن الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>