لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ الرُّؤَيَةِ بِحِسَابٍ، بِحَيْثُ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ يُرَى لَا مَحَالَةَ أَو لَا يُرَى أَلْبَتَّةَ عَلَى وَجْهٍ مُطَّرِدٍ، وَإِنَّمَا قَد يَتَّفِقُ ذَلِكَ، أو لَا يُمْكِنُ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ.
فَإِنْ قُلْت: مِن عَوَامِّ النَّاسِ -وَإِن كَانَ مُنْتَسِبًا إلَى عِلْم- مَن يَجْزِمُ بِأَنَّ الْحَرَكَاتِ الْعُلْوِيَّةَ لَيْسَتْ سَبَبًا لِحُدُوثِ أَمْرٍ أَلْبَتَّةَ.
قُلْت: قَوْلُ هَذَا جَهْلٌ (١)؛ لِأنَّهُ قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ.
هَذَا وَقَد ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ أَنَّ الأَفْلَاكَ مُسْتَدِيرَةٌ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: ٤٠]، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي فَلْكَةٍ مِثْل فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ، وَهَكَذَا هُوَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الْفَلَكُ الشَّيْءُ الْمُسْتَدِيرُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَدَارَ.
قَالَ تَعَالَى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزمر: ٥] وَالتَّكْوِيرُ هُوَ التَّدْوِيرُ، وَمِنْهُ قِيلَ: كَارَ الْعِمَامَةَ وَكَوَّرَهَا إذَا أَدَارَهَا، وَمِنْهُ قِيلَ: لِلْكُرَةِ كُرَةٌ وَهِيَ الْجِسْمُ الْمُسْتَدِيرُ، وَلهَذَا يُقَالُ لِلْأَفْلَاكِ: كُرَوِيَّةُ الشَّكْلِ.
وَأَمَّا إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ: فَقَالَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيةَ -الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ قَاضِي الْبَصْرَةِ مِن التَّابِعِينَ-: السَّمَاءُ عَلَى الْأرْضِ مِثْل الْقُبَّةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمُنَادِي مِن أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِمَعْرِفَةِ الْآثَارِ وَالتَّصَانِيفِ الْكِبَارِ فِي فُنُونِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ مِن الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِن أَصْحَابِ أَحْمَد: لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أنَّ السَّمَاءَ عَلَى مِثَالِ الْكُرَةِ، وَأَنَّهَا تَدُورُ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا مِن الْكَوَاكِب كَدَوْرَةِ الْكُرَةِ عَلَى قُطْبَيْنِ ثَابِتَيْنِ غَيْرِ مُتَحَرِّكَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي نَاحِيَةِ الشَّمَالِ وَالْآخَرُ فِي نَاحِيَةِ الْجَنُوبِ.
(١) ولم يقل: قائل هذا جاهل! وشتان بينهما! فالشيخ عند إيراده للأقوال الخاطئة قد يُجهل القول ولا يُجهل القائل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute