للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَمَّا حَدِيثُ الْحِجَامَةِ (١) فَإِمَّا أَنْ يَكونَ مَنْسُوخًا، وَإِمَّا أَنْ يَكونَ نَاسِخًا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسِ: "أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ" (٢).

أَيْضًا: وَلَعَلَّ فِيهِ الْقَيْءَ إنْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلِاسْتِقَاءَةِ هُوَ أَيْضًا مَنْسُوخٌ.

وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْحِجَامَةِ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ، فَإِنَّهُ إذَا تَعَارَضَ نَصَّانِ نَاقِلٌ وَبَاقٍ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ فَالنَّاقِلُ هُوَ الرَّاجِحُ فِي أنَّه النَّاسِخُ وَنَسْخ أَحَدِهِمَا يُقَوِّي نَسْخَ قَرِينِهِ.

وَأَمَّا مَن اسْتَمْنَى فَأَنْزَلَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ، وَلَفْظُ الِاحْتِلَامِ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَن احْتَلَمَ فِي مَنَامِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَد ذَكَرْتمْ أَنَّ مَن أَفْطَرَ عَامِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ كَانَ فِطْرُهُ مِن الْكَبَائِرِ، وَكَذَلِكَ مَن فَوَّتَ صَلَاةَ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ عَامِدًا مِن غَيْرِ عُذْرٍ كَانَ تَفْوِيتُهُ لَهَا مِنَ الْكبَائِرِ، وَأَنَّهَا مَا بَقِيَتْ تُقْبَلُ مِنْهُ عَلَى أَظْهَرِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، كَمَن فَوَّتَ الْجُمْعَةَ وَرَمَى الْجِمَارَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَهَذَا قَد أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ (٣).

قِيلَ: هَذَا إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ لِأنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَقَيَّأُ لِعُذْرٍ؛ كَالْمَرِيضِ يَتَدَاوَى بِالْقَيْءِ أَو يَتَقَيَّأُ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ، كَمَا تَقَيَّأ أَبُو بَكْرٍ مِن كَسْبِ الْمُتَكَهِّنِ، وَإذَا كَانَ الْمُتَقَيِّئُ مَعْذُورًا كَانَ مَا فَعَلَهُ جَائِزًا وَصَارَ مِن جُمْلَةِ الْمَرْضَى الَّذِينَ يَقْضُونَ وَلَمْ يَكُن مِن أَهْلِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ أَفْطَرُوا بِغَيْرِ عُذْرٍ.

وَالْمجَامِعُ النَّاسِي فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ:

أَحَدُهُمَا: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفارَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرِينَ.

وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٌ.


(١) يعني قول النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ". رواه الترمذي (٧٧٤)، وصحَّحه.
(٢) أخرجه البخاري (١٩٣٨).
(٣) يعني: أن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- أمر من استقاء بالقضاء بقوله: "وَإِن استقاء فَلْيَقْضِ".

<<  <  ج: ص:  >  >>