للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالثَّالِثَةُ: عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَن أَحْمَد.

وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.

فَإِنَّهُ قَد ثَبَتَ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ مَن فَعَلَ مَحْظُورًا مُخْطِئًا أَو نَاسِيًا لَمْ يُؤَاخِذْهُ اللهُ بِذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَن لَمْ يَفْعَلْهُ، فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ إثْمٌ، وَمَن لَا إثْمَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُن عَاصِيًا، وَلَا مُرْتَكِبًا لِمَا نُهِيَ عَنْهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكونُ قَد فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا نُهِيَ عَنْهُ.

وَطَرْدُ هَذَا: أَنَّ الْحَجَّ لَا يَبْطُلُ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ لَا نَاسِيًا وَلَا مُخْطِئًا، لَا الْجِمَاعُ وَلَا غَيْرُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَي الشَّافِعِيِّ.

وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ وَالْفِدْيَةُ فَتِلْكَ وَجَبَتْ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمُتْلَفِ، مِن جِنْسِ مَا يَجِبُ ضَمَانُ الْمُتْلَفِ بِمِثْلِهِ، كَمَا لَو أَتْلَفَهُ صَبِيٌّ أَو مَجْنُونٌ أَو نَائِمٌ ضَمِنَهُ بِذَلِكَ، وَجَزَاءُ الصَّيْدِ إذَا وَجَبَ عَلَى النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ فَهُوَ مِن هَذَا الْبَابِ، بِمَنْزِلَةِ دِيَةِ الْمَقْتُولِ خَطَأً، وَالْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ بِقَتْلِهِ خَطَأً بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.

وَأَمَّا سَائِرُ الْمَحْظُورَاتِ فَلَيْسَتْ مِن هَذَا الْبَابِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَالتَّرَفُّهُ الْمُنَافِي لِلتَّفَثِ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ.

وَلهَذَا كَانَت فِدْيَتُهَا مِن جِنْسِ فِدْيَةِ الْمَحْظُورَاتِ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ الْمَضْمُونِ بِالْبَدَلِ.

فَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ إذَا فَعَلَ مَحْظورًا أَلَّا يَضْمَنَ مِن ذَلِكَ إلَّا الصَّيْدَ (١)، وَللنَّاسِ فِيهِ أَقْوَالٌ هَذَا أَحَدُهَا وَهوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ.

وَكَذَلِكَ طَرْدُ هَذَا أَنَّ الصَّائِمَ إذَا أَكَلَ أَو شَرِبَ أَو جَامَعَ نَاسِيًا أَو مُخْطِئًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.


(١) قال ابن عثيمين رَحِمَه الله: "والصحيح أن المعذور بجهل، أو نسيان، أو إكراه، لا يترتَّب على فعله شيء أصلًا، لا في الجماع، ولا في الصيد، ولا في التقليم، ولا في لُبْس المَخِيط، ولا في شيء". اهـ. الشرح الممتع (٧/ ٢٠٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>