للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

"تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ" (١)، فَأَمَرَهَا أَنْ تُهِلَّ بِالْحَجِّ وَتَدَع أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهَا كَانَت مُتَمَتِّعَةً، ثُمَّ إنَّهَا طَلَبَتْ مِن النَبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُعْمِرَهَا فَأَرْسَلَهَا مَعَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَاعْتَمَرَتْ مِنَ التَّنْعِيمِ، وَالتَّنْعِيمُ هُوَ أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ وَبِهِ الْيَوْمَ الْمَسَاجِدُ الَّتِي تُسَمَّى "مَسَاجِدَ عَائِشَةَ"، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَإِنَّمَا بُنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَحْرَمَتْ مِنْهُ عَائِشَةُ، وَلَيْسَ دُخُولُ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ وَلَا الصَّلَاةُ فِيهَا -لِمَنِ اجْتَازَ بِهَا مُحْرِمًا- لَا فَرضًا وَلَا سُنَّةً؛ بَل قَصْدُ ذَلِكَ وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، لَكِنْ مَن خَرَجَ مِن مَكَّةَ لِيَعْتَمِرَ فَإِنَّهُ إذَا دَخَلَ وَاحِدًا مِنْهَا وَصَلَّى فِيهِ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. [٢٦/ ١٠٢ - ١٠٣]

٣١٧٩ - ثَبَتَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (٢) أَنَّهُ قَالَ: "مَن حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ: فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِن ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أمُّهُ"، وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ مَن قَرَأَ: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} [البقرة: ١٩٧] بِالرَّفْعِ (٣)؛ فَالرَّفَثُ: اسْمٌ لِلْجِمَاعِ قَوْلَّا وَعَمَلًا، وَالْفُسُوقُ: اسْمٌ لِلْمَعَاصِي كُلِّهَا، وَالْجِدَالُ: عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ هُوَ الْمِرَاءُ فِي أَمْرِ الْحَجِّ، فَإِنَّ اللهَ قَد أَوْضَحَهُ وَبَيَّنَهُ وَقَطَعَ الْمِرَاءَ فِيهِ كَمَا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَمَارَوْنَ فِي أَحْكَامِهِ.

وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى (٤): قَد يُفَسَّرُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا، وَقَد فَسَّرُوهَا بِأَنْ لَا يُمَارِي الْحَاجُّ أَحَدًا، وَالتَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَنْهَ الْمُحْرِمَ وَلَا غَيْرَهُ عَنِ الْجِدَالِ مُطْلَقًا؛ بَلِ الْجِدَالُ قَد يَكُونُ وَاجِبًا أَو مُسْتَحَبًّا كَمَا قَالَ تَعَالَى:


(١) صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (١٧٤٤).
(٢) أخرجه البخاري (١٥٢١، ١٨٢٠)، ومسلم (١٣٥٠).
(٣) والتنوين.
(٤) وهي التسوية بين الكل بالفتح.
وقرأ أبو جعفر برفع الجميع.

<<  <  ج: ص:  >  >>