وَلَا شَرْطَ لَهُ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُنَاسِبُ الْقَوْلَ بِأَنَّ طَوَافَ الْمُحْدِثِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَوَاهُ أَحْمَد عَنْهُمَا.
وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ: فَلَا يَحْرُمُ طَوَافُ الْجُنُبِ وَالْحَائِض إذَا اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ، كَمَا لَا يَحْرُمُ عِنْدَهُم الطَّوَافُ عَلَى الْمُحْدِثِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ حِينَئِذٍ، وَهُمَا إذَا كَانَا مُضْطَرَّيْنِ إلَى ذَلِكَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِن الْمُحْدِثِ الَّذِي يُجَوِّزُونَ لَهُ الطَّوَافَ مَعَ الْحَدَثِ مِن غَيْرِ عُذْرٍ.
وَإِذَا كَانَت إنَّمَا مُنِعَتْ مِنَ الطَّوَافِ لِأجْلِ الْمَسْجِدِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ إبَاحَةَ ذَلِكَ لِلْعُذْرِ أَوْلَى مِن إبَاحَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ لِلْعُذْرِ، وَلَو كَانَ لَهَا مُصْحَفٌ وَلَمْ يُمْكِنْهَا حِفْظُهُ إلَّا بِمَسِّهِ؛ مِثْل أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَأْخُذَهُ لِصٌّ أَو كَافِرٌ، أَو يَنْهَبَهُ أَحَدٌ، أَو يَتَّهِبَهُ مِنْهَا، وَلَمْ يُمْكِنْهَا مَنْعُهُ إلَّا بمَسِّهِ لَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهَا، مَعَ أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ، وَيَجُوزُ لَهُ الدُّخولُ فِي الْمَسْجِدِ.
فَعُلِمَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصْحَفِ أَعْظَمُ مِن حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا أُبِيحَ لَهَا مسُّ الْمُصْحَفِ لِلْحَاجَةِ فَالْمَسْجِدُ الَّذِي حُرْمَتُهُ دُونَ حُرْمَةِ الْمُصْحَفِ أَوْلَى بِالْإِبَاحَةِ.
وَأَمَّا إنْ كانَ الْمَنْعُ مِنَ الطَّوَافِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الطَّوَافِ كَمَا مُنِعَ مِن غَيْرِهِ، أَو كَانَ لِذَلِكَ وَللْمَسْجِدِ كُلٌّ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ؛ فَنَقُولُ: إذَا اُضْطُرَّتْ إلَى ذَلِكَ بِحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهَا الْحَجُّ بِدُونِ طَوَافِهَا وَهِيَ حَائِضٌ لِتَعَذُّرِ الْمُقَامِ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَطْهُرَ فَهُنَا الْأَمْرُ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ تَطُوفَ مَعَ الْحَيْضِ، وَبَيْنَ الضَّرَرِ الَّذِي يُنَافِي الشَّرِيعَةَ، فَإنَّ إلْزَامَهَا بِالْمُقَامِ إذَا كَانَ فِيهِ خَوْفٌ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا وَفِيهِ عَجْزُهَا عَنِ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهَا، وَإلْزَامُهَا بِالْمُقَامِ بِمَكَّةَ مَعَ عَجْزِهَا عَن ذَلِكَ وَتَضَرُّرِهَا بِهِ لَا تَأْتِي بِهِ الشَّرِيعَةُ.
وَكَثِيرٌ مِنَ النِّسَاءِ إذَا لَمْ تَرْجِعْ مَعَ مَن حَجَّتْ مَعَهُ لَمْ يُمْكِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ الرُّجُوعُ، وَلَو قُدِّرَ أَنَّهُ يُمْكِنُهَا بَعْدَ ذَلِكَ الرُّجُوعُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ يَبْقَى وَطْؤُهَا مُحَرَّمًا مَعَ رُجُوعِهَا إلَى أَهْلِهَا، وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ إلَى أَنْ تَعُودَ، فَهَذَا أَيْضًا مِن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute