للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَعْظَمِ الْحَرَجِ الَّذِي لَا يُوجِبُ اللهُ مِثْلَهُ، إذ هُوَ أَعْظَمُ مِن إيجَابِ حَجَّتَيْنِ، وَاللهُ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً.

وَمَن وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَالْمُفْسِدِ فَإِنَّمَا ذَاكَ لِتَفْرِيطِهِ بِإفْسَادِ الْحَجِّ، وَلهَذَا لَمْ يَجِب الْقَضَاءُ عَلَى الْمُحْصَرِ فِي أَظْهَرِ قَوْلي الْعُلَمَاءِ لِعَدَمِ التَّفْرِيطِ، وَمَن أَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَى مَن فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ يُوجِبُهُ لِأنَّهُ مُفَرِّطٌ عِنْدَهُ.

وَإِذَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْمَرْأَةِ: بَل تَتَحَلَّلُ كَمَا يَتَحَلَّلُ الْمُحْصَرُ فَهَذَا لَا يُفِيدُ سُقُوطَ الْفَرْضِ عَنْهَا؛ فَتَحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إلَى حَجَّةٍ ثَانِيَةٍ، ثُمَّ هِيَ فِي الثَّانِيَةِ تَخَافُ مَا خَافَتْهُ فِي الْأُولَى، مَعَ أَنَّ الْمَحْصَرَ لَا يَحِلُّ إلَّا مَعَ الْعَجْزِ الْحِسِّيِّ: إمَّا بِعَدُوٍّ أَو بِمَرَضٍ أَو فَقْرٍ أَو حَبْسٍ، فَأَمَّا مِن جِهَةِ الشَّرْعِ فَلَا يَكُونُ أَحَدٌ مُحْصَرًا، وَكُلُّ مَن قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ لَمْ يَكُن مَحْصَرًا فِي الشَّرْعِ.

فَهَذِهِ هِيَ التَّقْدِيرَاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تُفْعَلَ:

أ- إمَّا مُقَامُهَا بِمَكَّةَ.

ب-وَإمَّا رُجُوعُهَا مُحْرِمَةً.

ج- وَاِمَّا تَحَلُّلُهَا.

وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِي عَن ابْنِ عَبَّاسٍ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ فَمَن تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرِ" (١) قَد قِيلَ: إنَّهُ مِن كلَام ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِن كَلَامِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَو كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الصَّلَاةِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ؛ فَإِنَّ اللهَ قَد فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: ١٢٥].

وَالْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ


(١) صحَّحه الألباني في مناسك الحج (٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>