للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُسَمَّى الصَّلَاةِ وَمُسَمَّى الطَّوَافِ مُتَوَاتِرَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ نَوْعًا مِنَ الصَّلَاةِ.

ثُمَّ تَدَبَّرْتُ وَتَبَيَّنَ لِي أَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ لَا تُشْتَرَطُ فِي الطَّوَافِ وَلَا تَجِبُ فِيهِ بِلَا ريبٍ، وَلَكِنْ تُسْتَحَبُّ فِيهِ الطَّهَارَةُ الصُّغْرَى، فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ.

وَحِينَئِذٍ: فَهَذِهِ الْمُحْتَاجَةُ إلَى الطَّوَافِ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ: إنَّهُ يَلْزَمُهَا دَمٌ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد؛ فَإِنَّ الدَّمَ يَلْزَمُهَا بِدُونِ الْعُذْرِ عَلَى قَوْلِ مَن يَجْعَلُ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةً، وَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَإذَا قِيلَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ فَهَذَا غَايَةُ مَا يُقَالُ فِيهَا، وَالْأَقْيَسُ: أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ (١)، وَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ هَذَا وَاجِبًا يَجْبُرُهُ دَمٌ وَيُقَالَ: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ فَهَذَا خِلَافُ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ.

وَقَد تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُضْطَرَّةَ إلَى الطَّوَافِ مَعَ الْحَيْضِ لَمَّا كَانَ فِي عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَن يُفْتِيهَا بِالْإِجْزَاءِ مَعَ الدَّمِ وَإِن لَمْ تَكُنْ مُضْطَرَّةً: لَمْ تَكُنِ الْأُمَّةُ مُجْمِعَةً عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهَا إلَّا الطَّوَافُ مَعَ الطُّهْرِ مُطْلَقًا، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ مَعَ الْمُنَارعِ الْقَائِلِ بِذَلِكَ لَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ، وَقَد بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُسْتَلْزِمٌ لِجَوَازِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ هَل هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا؟ وَأَنَّ قَوْلَ الْنُّفَاةِ لِلْوُجُوبِ أَظْهَرُ، فَلَمْ تُجْمِع الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا، وَلَا عَلَى أَنَّ شَيْئًا مِن الطَّهَارَةِ شَرْطٌ فِي الطَّوَافِ.

وَأَمَّا الَّذِي لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطُوفَ مَعَ الْحَيْضِ إذَا كَانَت قَادِرَةً عَلَى الطَّوَافِ مَعَ الطُّهْرِ، فَمَا أَعْلَمُ مُنَازِعًا أنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا وَتَأْثَمُ بِهِ.

وَتَنَازَعُوا فِي إجْزَائِهِ: فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْزِئُهَا ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد.


(١) وقال في موضع آخر: وَأمَّا هَذ الْعَاجِزَةُ عَنِ الطَّوَافِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ فَإِنْ أَخْرَجَتْ دَمًا فَهُوَ أحْوَطُ، وَإِلَّا فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَإِنَّ اللهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. (٢٦/ ٢٤٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>