للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَحَيْثُ كَانَت مَفْسدَةُ الْأمْرِ وَالنَّهْيِ أَعْظَمَ مِن مَصْلَحَتِهِ: لَمْ تكنْ مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ (١) وَإِن كَانَ قَد تُرِكَ وَاجِبٌ وَفُعِلَ مُحَرَّمٌ (٢).

إذ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ فِي عِبَادِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ هُدَاهُمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: ١٥٥]، وَالِاهْتِدَاءُ إنَّمَا يَتِمُّ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ، فَإِذَا قَامَ الْمُسْلِمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِن الْأَمْرِ بالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَن الْمُنْكَرِ كَمَا قَامَ بِغَيْرِهِ مِن الْوَاجِبَاتِ: لَمْ يَضرَّه ضَلَالُ الضُّلَّالِ (٣).

وَذَلِكَ يَكُونُ تَارَةً بِالْقَلْبِ، وَتَارَةً بِاللِّسَانِ، وَتَارَةً بِالْيَدِ.

فَأَمَّا الْقَلْبُ: فَيَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ؛ إذ لَا ضَرَرَ فِي فِعْلِهِ، وَمَن لَمْ يَفْعَلْهُ فَلَيْسَ هُوَ بِمُؤمِن؛ كَمَا قَالَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ".

وَهُنَا يَغْلَطُ فَرِيقَانِ مِن النَّاسِ:

أ- فَرِيق يَتْرُكُ مَا يَجِبُ مِن الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ تَأْوِيلًا لِهَذِهِ الْآيَةِ؛ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي الله عنه- فِي خطْبَتِهِ: إنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الْآيَةَ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:١٠٥] وَإِنَّكُمْ تَضَعُونَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَإِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:"إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُم اللهُ بِعِقَاب مِنْهُ" (٤).

ب- وَالْفَرِيقُ الثَّانِي: مَن يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى إمَّا بِلِسَانِهِ وَإِمَّا بِيَدِهِ مُطْلَقًا،


(١) أي: لم تكن هذه المفسدة الناتجة عن الأمر أو النهي: مما أمر الله به، بل يُعلم قطعًا أنه خطأ ارتكبه هذا الآمر والناهي.
(٢) أي: ولو تحقق من ترك واجب أو فعل محرم، فلا يجوز الأمر والنهي إذا أدى إلى منكر أكبر وأعظم.
(٣) فلا ينبغي الحزن الشديد لعلو الباطل وضعف الحق، فهذه سُنَّة الله تعالى في بقاءِ الصراع بين الحق والباطل؛ لحِكَم عظيمةِ، تَقْصُر عقولُنا عن إدراكِها، ونحن لا نُلام على ضَلَال الضُّلَّالِ إذا فعلنا الأسباب التي نقدر عليها لهدايتهم أو زجرهم عن ضلالهم.
(٤) رواه ابن ماجه (٤٠٠٥)، وصحَّحه الألباني في صحيح ابن ماجه (٣٢٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>