للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٣٥٣ - الْجِهَادُ مَقْصُودُهُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ؛ فَمَقْصُودُهُ إقَامَةُ دِينِ اللهِ، لَا اسْتِيفَاءُ الرَّجُلِ حَظَّهُ.

وَلهَذَا كَانَ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُجَاهِدُ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ أَجْرُهُ فِيهِ عَلَى اللهِ، فَاِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِن الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُم وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُم الْجَنَّةَ، حَتَّى إنَّ الْكُفَّارَ إذَا أَسْلَمُوا أَو عَاهَدُوا لَمْ يَضْمَنُوا مَا أَتْلَفُوة لِلْمُسْلِمِينَ مِن الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ؛ بَل لَو أَسْلَمُوا وَبِأَيْدِيهِمْ مَا غَنِمُوهُ مِن أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ مِلْكًا لَهُم عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد، وَهُوَ الَّذِي مَضَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشدِينَ.

وَلهَذَا كَانَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ الْمُتَأوِّلينَ لَا يَضْمَنونَ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ بِالتَّأْوِيلِ، كَمَا لَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْعَدْلِ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ بِالتَّأْوِيلِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.

وَكَذَلِكَ أَصَحُّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُرْتَدِّينَ، فَإِنَّ الْمُرْتَدَّ وَالْبَاغِيَ الْمُتَأَوِّلَ وَالْمُبْتَدِعَ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَعْتَقِدُ أَحَدُهُم أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ، فَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ مُتَأَوِّلًا، فَإِذَا تَابَ مِن ذَلِكَ كَانَ كَتَوْبَةِ الْكَافِرِ مِن كُفْرِهِ؛ فَيُغْفَرُ لَهُ مَا سَلَفَ مِمَّا فَعَلَهُ مُتَأوِّلًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَن يَعْتَقِدُ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَغْيٌ وَعُدْوَانٌ؛ كَالْمُسْلِمِ إذَا ظَلَمَ الْمُسْلِمَ، وَالذِّمِّيِّ إذَا ظَلَمَ الْمُسْلِمَ، وَالْمُرْتَدِّ الَّذِي أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بمُحَارَب؛ بَل هُوَ فِي الظَّاهِرِ مُسْلِمٌ أَو مُعَاهَدٌ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ بِالِاتِّفَاقِ.

فَالْمَأْمُورُ الْمَنْهِيُّ إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ أَذَى الْآمِرِ النَّاهِي جَائِز لَهُ (١): فَهُوَ مِن الْمُتَأَوِّلينَ، وَحَقُّ الْآمِرِ النَّاهِي دَاخِل فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى، فَإِذَا تَابَ سَقَطَ الْحَقَّانِ (٢)، وَإِن لَمْ يَتُبْ كَانَ مَطْلُوبًا بِحَقِّ اللهِ الْمُتَضَمِّنِ حَقَّ الْآدَمِيِّ.


(١) أي: إذا أُمر أحد بمعروف أو نُهي عن منكر، فآذى الآمر والناهي بالقول أو بالفعل، مُعتقدًا أنّ أذاه له جائزٌ أو مُستحب؛ لارتكاب الْاَمِر النَّاهِي ما يستوجب ذلك: فهو مُتأولٌ مُجتهدٌ.
(٢) أي: إذا تاب الذي آذى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: سقط حق الله وحق الذي آذاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>