للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا.

فَهَؤُلَاءِ كَلٌّ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ الشَّرْعِيَّةَ بِحَسَبِهِ.

وَإِن كَانَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا: فَإِذَا قَد عَفَا اللهُ عَنْهُ خَطَأَهُ، فَإِذَا كَانَ قَد حَصَلَ بِسَبَب اجْتِهَادِهِ الْخَطَأِ أَذًى لِلْآمِرِ النَّاهِي بِغَيْرِ حَق فَهُوَ كَالْحَاكِمِ إذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطأ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ أَذى لِلْمُسْلِمِ، أَو كَالشَّاهِدِ أَو كَالْمُفْتِي (١).

فَإِذَا كَانَ الْخَطَأُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ الْمُخْطِئِ: كَانَ هَذَا مِمَّا ابْتَلَى الله بِهِ هَذَا الْاَمِرَ النَّاهِيَ، قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (٢٠)} [الفرقان: ٢٠] فَهَذَا مِمَّا يَرْتَفِعُ عَنْهُ الْإِثْمُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَكَذَلِكَ الْجَزَاءُ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ.

وَلَكِنْ قَد يُقَالُ: قَد يَسْقُطُ الْجَزَاءُ عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ الَّذِي يَجِبُ فِي الْعَمْدِ ويثْبُتُ الضَّمَانُ الَّذِي يَجِبُ فِي الْخَطَأِ، كَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ، وَكَمَا يَجِبُ ضَمَانُ الْأَمْوَالِ الَّتِي يُتْلِفُهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فِي مَالِهِ .. فَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي ظَلَمَ خَطَأً (٢).

لَكِنْ يُقَالُ: يفَرَّقُ بَيْنَ مَا كَانَ الْحَقُّ فِيهِ للهِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ تَبَعٌ لَهُ، وَمَا كَانَ حَقًّا لِآدَمِيِّ مَحْضًا أَو غَالِبًا، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَن الْمُنْكَرِ وَالْجِهَادُ مِن هَذَا الْبَابِ (٣)، مُوَافِق لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ لَا يُوجِبُونَ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ ضَمَانَ


(١) وهؤلاء لا يُؤاخذون إذا اجتهدوا في إلحاق أذى بأحد من الناس اجتهادًا منهم، وعملًا بالنصوص التي يرون أنها منطبقةٌ عليهم.
(٢) فللمظلوم الحق في أنْ يستوفي حقه منه، وأنْ يرجع عليه بكل ما أخذه منه.
(٣) أي: الحق فيه لِلَّهِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ تَبَعٌ لَهُ، فلا يحق له اسْتيفاء حقه من ظالمه المتأول، ولا أنْ ينتقم لنفسه، بل ينتقم لله لا لنفسِه، وكثيرًا ما يغضب الإنسان لنفسه وهو يظن أنه يغضب لله.
قال ابن القيِّم رحمه الله في المشاهد التي يشهدها مَن يصيبه أذى الناس:
المشهد الثامن: مشهد الجهاد، وهو أن يشهد تولد أذى الناس له من جهاده في سبيل الله، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإقامة دين الله، وإعلاء كلماته. =

<<  <  ج: ص:  >  >>