للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مَا أَتْلَفُوهُ لِأَهْلِ الْعَدْلِ بِالتَّأوِيلِ، وَإِن كَانَ ذَلِكَ خَطَأً مِنْهُمْ، لَيْسَ كُفْرًا وَلَا فِسْقًا.

وَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِم أَهْلُ الْعَدْلِ لَمْ يَتْبَعُوا مُدْبِرَهُمْ، وَلَمْ يُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَمْ يَسْبُوا حَرِيمَهُمْ، وَلَمْ يَغْنَمُوا أَمْوَالَهُمْ، فَلَا يُقَاتِلُونَهُم عَلَى مَا أَتْلَفُوهُ مِن النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ إذَا أَتْلَفُوا مِثْل ذَلِكَ أَو تَمَلَّكُوا عَلَيْهِم.

فَتَبَيَّنَ أَنَ الْقِصَاصَ سَاقِطٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِن بَابِ الْجِهَادِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْأَجْرُ عَلَى اللهِ، وَهَذَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِحَقَ الْعَبْدِ الْاَمِرِ النَّاهِي.

وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ: هَل يُقْتَصُّ مِنْهُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى طَمَع مِنْهُ فِي جَانِب الْحَق؟

فَيُقَالُ: مَتَى كَانَ فِيمَا فَعَلَهُ إفْسَادٌ لِجَانِبِ الْحَقّ كَانَ الْحَقّ فِي ذَلِكَ للهِ وَرَسُولِهِ؛ فَيُفْعَلُ فِيهِ مَا يُفْعَلُ فِي نَظِيرِهِ، وَإِن لَمْ يَكُن فِيهِ أَذًى لِلْآمِرِ النَّاهِي.

لَكِنَّ الْإِنْسَانَ تُزَيِّنُ لَهُ نَفْسُهُ أَنَّ عَفْوَهُ عَن ظَالِمِهِ يُجَرّيهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَل قَد ثَبَتَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّه قَالَ: "وَمَا تَوَاضعَ أَحَدٌ للهِ إلَّا رَفَعَهُ اللهُ" (١).

فَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يَعْفوَ الْإِنْسَانُ عَن حَقِّهِ، ويسْتَوْفِيَ حُقُوقَ اللهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.


= وصاحب هذا المقام: قد اشترى اللهُ منه نفسَه ومالَه وعرضَه بأعظم الثمن، فإن أراد أن يُسلَّم إليه الثمن فليسلِّم هو السلعة ليستحق ثمنها، فلا حق له على من آذاه ولا شيء له قِبَله إن كان قد رضي بعقد هذا التبايع، فإنه قد وجب أجره على الله.
وهذا ثابت بالنص وإجماع الصحابة -رضي الله عنهم-؛ ولهذا منع النبي -صلى الله عليه وسلم- المهاجرين من سُكنى مكة أعزها الله، ولم يَرُدَّ على أحد منهم داره ولا ماله الذي أخذه الكفار، ولم يُضَمِّنهم دية من قتلوه في سبيل الله، ولما عزَم الصديق -رضي الله عنه- على تضمين أهل الردة ما أتلفوه من نفوس المسلمين وأموالهم قال له عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بمشهد من الصحابة -رضي الله عنهم-: تلك دماء وأموال ذهبت في الله، وأجورها على الله، ولا دية لشهيد، فاتفق الصحابة على قول عمر، ووافقه عليه الصديق. مدارج السالكين (٢/ ٣٠٥).
(١) رواه مسلم (٢٥٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>