للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَالْأوّلُ: هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨)} [الأنعام: ٦٨].

فَهَذَا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ الْمُنْكَرَاتِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِثْل قَوْمٍ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ يَجْلِسُ عِنْدَهُم، وَقَوْمٌ دُعُوا إلَى وَليمَةٍ فِيهَا خَمْرٌ وَزَمْرٌ لَا يُجِيبُ دَعْوَتَهُم وَأَمْثَالَ ذَلِكَ.

بِخِلَافِ مَن حَضَرَ عِنْدَهُم لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِم أَو حَضَرَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلهَذَا يُقَالُ: حَاضِرُ الْمُنْكَرِ كَفَاعِلِهِ.

وَهَذَا الْهَجْرُ مِن جِنْسِ هَجْرِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عَن فِعْلِ الْمُنْكَرَاتِ، كَمَا قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ" (١).

وَمِن هَذَا الْبَابِ: الْهِجْرَةُ مِن دَارِ الْكفْرِ وَالْفُسُوقِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، فَإِنَّهُ هَجْرٌ لِلْمَقَامِ بَيْنَ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَا يُمَكِّنُونَهُ مِن فِعْلِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ.

وَمِن هَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)} [المدثر: ٥].

النَّوْعُ الثَّانِي: الْهَجْرُ عَلَى وَجْهِ التَّادِيبِ، وَهُوَ هَجْرُ مَن يُظْهِرُ الْمُنْكَرَاتِ يُهْجَرُ حَتَّى يَتُوبَ مِنْهَا، كَمَا هَجَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَالْمُسْلِمُونَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفوا حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَوْبَتَهُمْ، حِينَ ظَهَرَ مِنْهُم تَرْكُ الْجِهَادِ الْمُتَعَيِّنِ عَلَيْهِم بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَمْ يَهْجُرْ مَن أَظْهَرَ الْخَيْرَ، وَاِن كَانَ مُنَافِقًا، فَهُنَا الْهَجْرُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْزِيرِ.

وَالتَّعْزِيرُ يَكُونُ لِمَن ظَهَرَ مِنْهُ تَرْكُ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلُ الْمُحَرَّمَاتِ؛ كَتَارِكِ الضَلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالتَّظَاهُرِ بِالْمَظَالِمِ وَالْفَوَاحِشِ، وَالدَّاعِي إلَى الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ الَّتِي ظَهَرَ أَنَّهَا بِدَعٌ.


(١) صحَّحه الألباني في صحيح الأدب المفرد (٨٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>