للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ مَن قَالَ مِن السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ: إنَّ الدُّعَاةَ إلَى الْبِدَعِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُم وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ، وَلَا يُؤْخَذُ عَنْهُم الْعِلْمُ وَلَا يُنَاكَحُونَ، فَهَذِهِ عُقُوبَة لَهُم حَتَى يَنْتَهوا؛ وَلهَذَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ وَغَيْرِ الدَّاعِيَةِ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَةَ أَظْهَرَ الْمُنْكَرَاتِ فَاسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ بِخِلَافِ الْكَاتِمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَرًّا مِن الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقْبَلُ عَلَانِيَتَهُم وَيكِلُ سَرَائِرَهُم إلَى اللهِ مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ.

فَالْمُنْكَرَاتُ الظَّاهِرَةُ يَجِبُ إنْكَارُهَا، بِخِلَافِ الْبَاطِنَةِ فَإِنَّ عُقُوبَتَهَا عَلَى صَاحِبِهَا خَاصَّةً.

وَهَذَا الْهَجْرُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْهَاجِرِينَ فِي قُوَّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ، وَقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ، فَإِنَ الْمَقْصُودَ بِهِ زَجْرُ الْمَهْجُورِ وَتَأْدِيبُهُ وَرُجُوعُ الْعَامَّةِ عَن مِثْل حَالِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ رَاجِحَةً بِحَيْثُ يُفْضِي هَجْرهُ إلَى ضَعْفِ الشَرِّ وَخِفْيَتِهِ كَانَ مَشْرُوعًا، وَإِن كَانَ لَا الْمَهْجُورُ وَلَا غَيْرُهُ يَرْتَدِعُ بِذَلِكَ بَل يُزِيدُ الشَّرَّ، وَالْهَاجِرُ ضَعِيفٌ بِحَيْثُ يَكُونُ مَفْسَدَةُ ذَلِكَ رَاجِحَةً عَلَى مَصْلَحَتِهِ لَمْ يُشْرَع الْهَجْرُ؛ بَل يَكونُ التَّألِيفُ لِبَعْضِ النَّاسِ أَنْفَعَ مِن الْهَجْرِ.

وَالْهَجْرُ لِبَعْضِ النَّاسِ أَنْفَعُ مِن التَّأْلِيفِ.

وَإِذَا عُرفَ هَذَا: فَالْهِجْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ مِن الْأَعْمَالِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا وَرَسُولُهُ، فَالطَّاعَةُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً للهِ وَأَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِأَمْرِهِ فَتَكُونُ خَالِصَةً للهِ صَوَابًا، فَمَن هَجَرَ لِهَوَى نَفْسِهِ أَو هَجَرَ هَجْرًا غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهِ: كَانَ خَارِجًا عَن هَذَا.

وَمَا أَكْثَرَ مَا تَفْعَلُ النُّفُوسُ مَا تَهْوَاهُ ظَانَّة أَنَّهَا تَفْعَلُهُ طَاعَةً للهِ (١).


(١) صدق رحمه الله تعالى، فلذا يجب على المسلم أن يُحاسب نفسه كثيرًا، وأنْ ينظر في تصرفاته وأعماله ويدقق فيها، فسيجد في كثيرِ منها أو بعضها شوائب منعت كمال العمل ونفعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>