للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْمُسْلِمُونَ مَعَ هَذَا الْعَدُوِّ الْمُفْسِدِ الْخَارجِ عَن شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ: قَد جَرَى فِيهَا شَبِيةٌ بِمَا جَرَى لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ عَدُوِّهِمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمُغَازِي الَّتِي أَنَزَلَ اللهُ فِيهَا كُتُبَهُ، وَابْتَلَى بِهَا نَبِيَّهُ وَالْمُومِنِينَ، مِمَّا هُوَ أُسْوَة لِمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

فَيَنْبَغِي لِلْعُقَلَاءِ أَنْ يَعْتَبِرُوا بِسُنَّةِ اللهِ وَأَيَّامِهِ فِي عِبَادِهِ، وَدَأْبِ الْأُمَمِ وَعَادَاتهمْ، لَا سِيَّمَا فِي مِثْل هَذِهِ الْحَادِثَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي طَبَّقَ الْخَافِقَيْنِ خَبَرُهَا، وَاسْتَطَارَ فِي جَمِيعِ دِيَارِ الْإِسْلَامِ شَرَرُهَا، وَأَطْلَعَ فِيهَا النِّفَاقُ نَاصِيَةَ رَأسِهِ، وَكَشَّرَ فِيهَا الْكُفْرُ عَن أَنْيَابِهِ وَأَضْرَاسِهِ، وَكَادَ فِيهِ عَمُودُ الْكِتَابِ أَنْ يُجْتَثَّ وَيخْتَرِمَ، وَحَبْلُ الْإِيمَانِ أَنْ يَنْقَطِعَ وَيَصْطَلِمَ، وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَحِلَّ بِهَا الْبَوَارُ، وَأَنْ يَزُولَ هَذَا الدِّينُ بِاسْتِيلَاءِ الْفَجَرَةِ التَّتَارِ، وَظَنَّ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ أَنَّ مَا وَعَدَهُم اللهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا، وَأَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ حِزْبُ اللهِ وَرَسُولِهِ إلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا، وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِم وَظَنُّوا ظَنَّ السَّوْءِ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا،


= وقد ذكر أهل التاريخ أنه لَمَّا وَصَلَ السُّلْطَانُ إِلَى وَادِي الْخَزَنْدَارِ عِنْدَ وَادِي سَلَمْيَةَ، الْتَقَى التَّتَارَ هُنَاكَ يَوْمَ الأرْبِعَاءِ السَّاجِ وَالْعِشْرِينَ مِن رَبِيع الْأوَّلِ، فَكَسَرُوا الْمُسْلِمِينَ، وَوَلى السُّلْطَانُ هَارِبَا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الأمَرَاءِ وَغَيْرِهم وَمِنَ الْعَوَام خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَفُقِدَ في الْمَعْرَكَةِ قَاضِي الحَنَفِيَّةِ حُسَامُ الرَّازِيُّ، وَقَد صَبَرُوا وَأبْلَوْا بَلَاءً حَسَنًا، وَلَكِنْ كَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرَا مَقْدُورًا، فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ لَا يَلْوِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ.
ثمَّ بعد ذَلِك بعام سنة سَبْعمِائة لما قدم التتار إِلَى أطْرَاف الْبِلَاد وَبَقِي الْخلق فِي شدَّة عَظِيمَة، وَغلب على ظنهَم أَن عَسْكَر مصر قد تخلوا عَن الشام، ركب الشَّيْخ رحمه الله وَسَار على الْبَرِيد إِلَى الْجَيْش الْمصْريّ فِي سبْعَة أَيَّام وَدخل الْقَاهِرَة فِي الْيَوْم الثَّامِن يَوْم الاثْنَيْنِ حادي عشر جمادى الأولى، وأَطلاب المصريين دَاخِلَة، وَقد دخل السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فَاجْتمع بأركان الدولة واستصرخ بهم وحضهم على الْجِهَاد، وتلا عَلَيْهِم الْآيَات وَالْأحَادِيث، وَأخْبرهمْ بِمَا أعد الله للمجاهدين من الثَّوَاب، فاستفاقوا وقويت هممهم وأبدوا لَهُ الْعذر فِي رجوعهم مِمَّا قاسوا من الْمَطَر وَالْبرد مُنْذُ عشْرين، وَنُودِيَ بالغزاة وقوي الْعَزْم، وعظموه وأكرموه وَتردد الْأعْيَان إَلَى زيارته.
وَفِي الْيَوْم السَّابع وَالْعِشْرين من شهر جُمَادَى الْمَذْكور وصل الشَّيْخ إِلَى دمشق على الْبَرِيد، وَكتب فِي هَذِه الحَادِثَة كتابًا وَصورته هو هَذَا المذكور. البداية والنهاية (١٤/ ٧٨)، العقود الدرية (١٣٥ - ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>