فَكيْفَ تَسْتَحِلُّونَ أَنْ تَسْتَوْلُوا عَلَى مَن أُخذَ غَدْرًا؟ أَفَتأْمَنُونَ مَعَ هَذَا أَنْ يُقَابِلَكُمْ الْمُسْلِمُونَ بِبَعْضِ هَذَا وَتَكُونُونَ مَغْدُورِينَ؟ واللهُ نَاصِرُهُم وَمُعِينُهُمْ، لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَالْأُمَّةُ قَد امْتَدَّتْ لِلْجِهَادِ، وَاسْتَعَدَّتْ لِلْجَلَّادِ، وَرَغِبَ الصَّالِحُونَ وَأَوْلِيَاءُ الرَّحْمَنِ فِي طَاعَتِهِ، وَقَد تَوَلَّى الثُّغُورَ السَّاحِلِيَّةَ أُمَرَاءُ ذَوُو بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَقَد ظَهَرَ بَعْضُ أَثَرِهِمْ وَهُم فِي ازْدِيَادٍ.
ثُمَّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِن الرِّجَالِ الفداوية الَّذِينَ يَغْتَالُونَ الْمُلُوكَ فِي فُرُشِهَا وَعَلَى أَفْرَاسِهَا، مَن قَد بَلَغَ الْمَلِكُ خَبَرهُم قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
وَنَحْنُ إذَا رَأَيْنَا مِن الْمَلِكِ وَأَصْحَابِهِ مَا يَصْلُحُ عَامَلْنَاهُم بِالْحُسْنَى، وَإِلَّا فَمَن بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ.
وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مِن أَيْسَرِ الْأمُورِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا مَا غَرَضِي السَّاعَةَ إلَّا مُخَاطَبَتُكُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَالْمُعَاوَنَةُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَفِعْلِ مَا يَجِبُ.
فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْمَلِكِ مَن يَثِقُ بِعَقْلِهِ وَدِينِهِ فَلْيَبْحَثْ مَعَهُ عَن أُصُولِ الْعِلْمِ وَحَقَائِقِ الْأَدْيَانِ، وَلَا يَرْضَا أَنْ يَكُونَ مِن هَؤُلَاءِ النَّصَارَى الْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ، إنْ هُم إلَّا كَالْأَنْعَامِ؛ بَل هُم أَضَلُّ سَبِيلًا.
وَمِن الْعَجَبِ كُلَّ الْعَجَبِ أنْ يَأْسِرَ النَّصَارَى قَوْمًا غَدْرًا أَو غَيْرَ غَدْرٍ وَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ، وَالْمَسِيحُ يَقُولُ: "مَن لَطَمَك عَلَى خَدِّك الْأَيْمَنِ فَأَدِرْ لَهُ خَدَّك الْأَيْسَرَ، وَمَن أَخَذَ رِدَاءَك فَأَعْطِهِ قَمِيصَك".
وَكُلَّمَا كَثُرَتِ الْأَسْرَى عِنْدَكُمْ كَانَ أَعْظَمَ لِغَضبِ اللهِ وَغَضَبِ عِبَادِهِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ السُّكُوتُ عَلَى أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي قُبْرُصَ سِيَّمَا وَعَامَّةُ هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى قَوْمٌ فُقَرَاءُ وَضُعَفَاءُ لَيْسَ لَهُم مَن يَسْعَى فِيهِمْ، وَهَذَا أَبُو الْعَبَّاسِ مَعَ أَنَّهُ مِن عُبَّادِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ عِبَادَةٌ وَفَقْرٌ، وَفِيهِ مَشْيَخَةٌ، وَمَعَ هَذَا فَمَا كَادَ يَحْصُلُ لَهُ فِدَاؤُهُ إلَّا بِالشَّدَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute