للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ب - وَعَادَاتٌ يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا فِي دُنْيَاهُمْ.

فَبِاسْتِقْرَاءِ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ نَعْلَمُ أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللهُ أَو أَحَبَّهَا لَا يَثْبُتُ الْأَمْرُ بِهَا إلَّا بِالشَّرْعِ.

وَأَمَّا الْعَادَاتُ فَهِيَ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ فِي دُنْيَاهُم مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ: عَدَمُ الْحَظْرِ، فَلَا يُحْظرُ مِنْهُ إلَّا مَا حَظَرَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ هُمَا شَرْعُ اللهِ، وَالْعِبَادَةُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَأْمُورًا بِهَا، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّه مَأْمُورٌ بِةِ كَيْفَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ؟

وَمَا لَمْ يَثْبُتْ مِن الْعَادَاتِ (١) أَنَّه مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَيْفَ يُحْكَمُ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ؟

وَلهَذَا كَانَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِن فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: إنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِبَادَاتِ التَّوْقِيفُ، فَلَا يُشْرَعُ مِنْها إلَّا مَا شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى، وإِلا دَخَلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١].

وَالْعَادَاتُ الْأَصْلُ فِيهَا الْعَفْوُ، فَلَا يُحْظرُ مِنْهَا إلَّا مَا حَرَّمَهُ وإِلَّا دَخَلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} [يونس: ٥٩].

وَمِمَّا يَلْتَحِقُ بِهَذَا: أَنَّ الْإِذْنَ الْعُرْفِيَّ فِي الْإِبَاحَةِ أَوِ التَّمْلِيكِ أَو التَّصَرُّفِ بِطَرِيقِ الْوِكَالَةِ: كَالْإِذْنِ اللَّفْظِيِّ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِن الْوِكَالَةِ وَالْإِبَاحَةِ يَنْعَقِدُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مِن قَوْلٍ وَفعْلٍ.

وَالْعِلْمُ بِرِضَى الْمُسْتَحِقِّ يَقُومُ مَقَامَ إظْهَارِهِ لِلرِّضَى.


(١) في الأصل: (العبادات)، وهو هكذا في جميع النسخ التي وقفت عليها، ولعل المثبت هو الصواب؛ ليستقيم المعنى، فقد ذكر قبلُ أنّ الأصل في العادات: عَدَمُ الحَظْرِ، ولا يقال في العبادات: الأصل فيها عدم الحظر، بل يقال: الأصل فيها المنع حتى يثبت الدليل على مشروعيتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>