وَعَلَى هَذَا يُخرَّجُ مُبَايَعَةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّان بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَكَانَ غَائِبًا، وَإِدْخَالُهُ أَهْلَ الْخَنْدَقِ إلَى مَنْزِل أَبِي طَلْحَةَ وَمَنْزِلِ جَابِرٍ بِدُونِ اسْتئْذَانِهِمَا؛ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمَا رَاضِيَانِ بِذَلِكَ.
وَلَمَّا دَعَاهُ -صلى الله عليه وسلم- اللَّحَّامُ سَادِس سِتَّةٍ: اتَّبَعَهُم رَجُلٌ فَلَمْ يُدْخِلْهُ حَتَّى اسْتَأْذَنَ اللَّحَّامُ الدَّاعِيَ (١).
٣٥٠٧ - إِنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا تَعَاقَدُوا بَيْنَهُم عُقُودًا وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ لَا تَحْرِيمَهَا وَلَا تَحْلِيلَهَا: فإِنَّ الْفُقَهَاءَ جَمِيعَهُم -فِيمَا أَعْلَمُهُ- يُصَحِّحُونَهَا إذَا لَمْ يَعْتَقِدُوا تَحْرِيمَهَا، وإِن كَانَ الْعَاقِدُ لَمْ يَكُن حِينَئِذٍ يَعْلَمُ تَحْلِيلَهَا لَا بِاجْتِهَادٍ وَلَا بِتَقْلِيدٍ.
٣٥٠٨ - مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ مِن مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْإِجَارَةَ لَا تَفْتَقِرُ إلَى صِيغَةٍ؛ بَل يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالْمُعَاطَاةِ، فَمَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا أَو هِبَةً أَو إجَارَةً فَهُوَ كَذَلِكَ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ ذَكَرَ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ وَالْعَطِيَّةَ مُطْلَقًا فِي كِتَابِهِ، لَيْسَ لَهَا حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَا الشَّرْعِ، فَيَرْجِعُ فِيهَا إلَى الْعُرْفِ.
وَالْمَقْصُودُ بِالْخِطَابِ: إفْهَامُ الْمَعَانِي، فَأَيُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَقْصُودُ الْعَقْدِ انْعَقَدَ بِهِ.
وَعَلَى هَذَا قَاعِدَةُ النَّاسِ، إذَا اشْتَرَى أَحَدٌ لِابْنِهِ أمَةً وَقَالَ: خذْهَا لَك اسْتَمْتِعْ بِهَا وَنَحْو ذَلِكَ كَانَ هَذَا تَمْلِيكًا عِنْدَهُمْ.
(١) عَن أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ يُكْنَى أبَا شُعَيْبٍ، فَقَالَ لِغُلَام لَهُ قَصَّابٍ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةَ، فَإِنَّي أرِيدُ أنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَإنّي قَد عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الجُوعَ، فَدَعَاهُمْ، فَجَاءَ مَعَهُم رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِن هَذَا قَد تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، فَأَذَنْ لَهُ وَإِن شِئْتَ أنْ يَرْجِعَ رَجَعَ". فَقَالَ: لَا، بَل قَد أَذِنْتُ لَهُ. رواه البخاري (٢٠٨١)، ومسلم (٢٠٣٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute