٣٥٠٩ - أُصُولُ مَالِكٍ فِي الْبُيُوعِ أَجْوَدُ مِن أُصُولِ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّه أَخَذَ ذَلِكَ عَن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الَّذِي كَانَ يُقَالُ: هُوَ أَفْقَهُ النَّاسِ فِي الْبُيُوعِ، كَمَا كَانَ يُقَالُ: عَطَاء أَفْقَهُ النَّاسِ فِي الْمَنَاسِكِ، وَإِبْرَاهِيمُ أَفْقَهُهُم فِي الصَّلَاةِ، وَالْحَسَنُ أَجْمَعُهُم لِذَلِكَ كُلِّهِ.
وَلهَذَا وَافَقَ أَحْمَد كلَّ وَاحِدٍ مِن التَّابِعِينَ فِي أغْلَبِ مَا فُضِّلَ فِيهِ لِمَن اسْتَقْرَأَ ذَلِكَ مِن أَجْوِبَتِهِ، وَالْإِمَامُ احْمَد مُوَافِقٌ لِمَالِكٍ فِي ذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ.
٣٥١٠ - كَرِهَ مَن كَرِهَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَيْعَ الْأَرْضِ الخراجية؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُشْتَرِيَ لَهَا إذَا أَدَّى الْخَرَاجَ عَنْهَا أَشْبَهَ أَهْلَ الذِّمَّةِ فِي الْتِزَامِ الْجِزْيَةِ، فَإِنَّ الْخَرَاجَ جِزْيَةُ الْأَرْضِ، وَإِن لَمْ يُؤَدِّهَا ظَلَمَ الْمُسْلِمِينَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِمْ مِنَ الْأَرْضِ.
لَمْ يَكْرَهُوا بَيْعَهَا لِكَوْنِهَا وَقْفًا؛ فَإنَّ الْوَقْفَ إنَّمَا مُنِعَ مِن بَيْعِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ الْوَقْفَ، وَلهَذَا لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، وَالْأَرْضُ الخراجية تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ بِاتَّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَتَجُوزُ هِبَتُهَا، وَالْمُتَّهِبُ الْمُشْتَرِي يَقُومُ فِيهَا مَقَامَ الْبَائِعِ؛ فَيُؤَدِّي مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَرَاجِ، وَلَيْسَ فِي بَيْعِهَا مَضَرَّةٌ لِمُسْتَحِقِّي الْخَرَاجِ كَمَا فِي بَيْعِ الْوَقْفِ.
وَأعْجَبُ مِن ذَلِكَ: أَنَّ طَائِفَة مِن هَؤُلَاءِ قَالُوا: مَكَّةُ إنَّمَا كرِهَ بَيْعُ رِبَاعِهَا لِكَوْنِهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَلَمْ تقْسَمْ أَيْضًا، وَهُم قَد قَالُوا مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ: إنَّ الْأَرْضَ الْعَنْوَةَ الَّتِي جُعِلَتْ أَرْضُهَا فَيْئًا يَجُوزُ بَيْعُ مَسَاكِنِهَا، وَالْخَرَاجُ إنَّمَا جُعِلَ عَلَى الْمَزَارعِ لَا عَلَى الْمَسَاكِنِ، فَلَو كَانَت مَكَّةُ قَد جُعِلَتْ أَرْضُهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَجُعِلَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ: لَمْ يَمْتَنِعْ بَيْعُ مَسَاكِنِهَا لِذَلِكَ، فَكَيْفَ وَمَكَّةُ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِ أَهْلِهَا عَلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ مَسَاكِنُهَا وَمَزَارِعُهَا، وَلَمْ يَقْسمْهَا وَلَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهَا خَرَاجًا؛ وَلهَذَا قَالَ مَن قَالَ: إنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّهَا فُتِحَتْ عُنْوَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute