للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ، لَكِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَطْلَقَ أَهْلَهَا جَمِيعَهُم فَلَمْ يَقْتُلْ إلَّا مَن قَاتَلَهُ، وَلَمْ يَسْبِ لَهُم ذُرِّيَّةً، وَلَا غَنِمَ لَهُم مَالًا، وَلهَذَا سُمُّوا الطُّلَقَاءَ.

وَلهَذَا كَانَتِ الْأَقْوَالُ فِي إجَارَةِ دُورِهَا وَبَيْعِ رِبَاعِهَا ثَلَاثَةً:

قِيلَ: لَا يَجُوزُ لَا هَذَا وَلَا هَذَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ الْأَمْرَانِ (١).

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهَا.

وقد تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَرْضِ إذَا فُتِحَتْ عَنْوَةً: هَل يَجِبُ قَسْمُهَا كَخَيْبَر لِأَنَّهَا مَغْنَمٌ، أَو تَصِيرُ فَيْئًا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْحَشْرِ وَلَيْسَتِ الْأرْضُ مِنَ الْمَغْنَمِ، أَو يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيمَا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَغَيْرِهِمَا.

وَلَو فَتَحَ الْإِمَامُ بَلَدًا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ أَهْلَهُ يُسْلِمونَ وَيُجَاهِدُونَ: جَازَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِم بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِأَهْلِ مَكَّةَ، فَإنَّهُم أَسْلَمُوا كُلُّهُم بِلَا خِلَافٍ، بِخِلَافِ أَهْلِ خَيْبَرَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُم أَحَدٌ، فَأَولَئِكَ قَسَمَ أَرْضَهُم لِأَنَّهُم كَانُوا كفَّارًا مُصِرِّينَ عَلَى الْكُفْرِ، وَهَؤُلَاءِ تَرَكَهَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُم كُلَّهُم صَارُوا مُسْلِمِينَ، وَالْمَقْصُودُ بِالْجِهَادِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّة للهِ.

وَقَد كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُم لِيَتَأَلَّفَهُم عَلَى الْإِسْلَامِ، فَكَيْفَ لَا يَتَأَلَّفُهُم بِإِبْقَاءِ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ؟


(١) وهو قول الشافعي -رحمه الله-، قال العلَّامة ابن عثيمين -رحمه الله-: وما ذهب إليه الشافعي وغيره هو الذي نصره الموفق في المغني، وأيده بأدلة كثيرة وقال: إنَّ الصحيحَ جوازُ البيع والإجارة في بيوت مكة، والعمل على هذا القول.
وأما القول بأنه لا يجوز بيعها ولا إجارتها فهو قول ضعيف.
وأما ما ذهب إليه شيخ الإسلام فهو وإن كان فيه شيء من القوة، فإنه يمكن أن يجاب عنه بأن الآية في أمكنة المشاعر، فهذه لا شك أنها لا تملك. الشرح الممتع ٨/ ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>